وكان الرئيس لا يزال يقلب الأمر على وجوهه، فهو يخشى من التحرير العاجل الشامل أن يغضب الولايات المحايدة فتنضم إلى الاتحاد الجنوبي، وكان يعد ذلك، والحرب قائمة، كارثة؛ ثم هو يخاف أن يتهم أنه ما أثار هذه الحرب الضروس إلا من أجل نظام العبيد مع أن الدستور يقر ذلك النظام.
وهو في الوقت نفسه يرى أن تحرير العبيد سوف يدعوهم إلى التمرد على ساداتهم في الجنوب فتضعف شوكتهم، هذا إلى رفضهم العمل في فلاحة الأرض بعد ذلك فيضطر البيض إلى العمل مكانهم فتتضاءل جيوشهم وتضعف مواردهم، فضلاً عن أن التحرير من شانه أن يكسب الرئيس وحكومته عطف الدول المتمدنة في أوروبا فلا تناوئه وهو فوق ذلك جميعاً يقضي على ذلك النظام البغيض الذي تنفر منه الإنسانية وتستخذي له، والذي ما فتئ الرئيس ينتظر يوم الخلاص منه. . .
ولكن يبقى بعد ذلك حكم الدستور في الأمر، فالدستور يقر امتلاك العبيد، وإذا أقدم الرئيس على التحرير خرج بذلك على الدستور وهو الحريص على مبادئه العامل منذ اشتغاله بالسياسة على المحافظة عليه وتقدسيه. . . على أنه يجد مخرجاً من ذلك فالمسألة تدعو إليها ضرورة حربية وهو مستطيع أن يحمل الممثلين بسهولة على تعديل الدستور في هذه النقطة. . .
بذلك لا يعوز الرئيس إلا الفرصة المناسبة وقد لبث يترقبها. . ولهذا كان يرفض أن يشايع دعاة التحرير قبل أن تحين الساعة فلا عجب أن يرفض في مايو من تلك السنة ما فعله القائد هنتر ولكن ليفعله هو بعد حين. . .
لبث الرئيس يترقب الفرصة، وكانت البلاد يتزايد فيها الشعور بضرورة القضاء على العبودية، ويتجلى ذلك الشعور في تلك العبارة التي كتبها قبل ذلك بنحو ثمانية شهور أحد الكتاب المؤرخين والتي جاء فيها (إن هذه الحرب الأهلية هي الأداة التي سخرها الله لاقتلاع جذور العبودية، وإن أعقابنا سوف لا يرضون بنتيجتها إلا إذا كان مما تحدثه الحرب ازدياد عدد الولايات الحرة هذا هو ما يتوقعه الجميع وهذا هو الأمل الذي ينشده جميع الأحزاب)
وكانت أولى الخطوات العملية التي جاءت مظهراً لهذا الشعور أن أصدر المجلس في أبريل