بسيل جارف كون نهراً عالياً؟! إن للبادية لمخاطر ومفارقات، وإن لرجل البادية لنظرا
أشار الدليل على السائق بتحويل اتجاهه، وبشق الأنفس خرجنا من المأزق سالمين
هاهي ذي النفس تنتعش، والصدر ينشرح، فقد ظهرت بعض بيوت الشعر، وفي مقدمتها الخيام البيضاء - خيام العلم والنور، والكرم والضيافة - التابعة لشيخ المشايخ
وهاهي ذي عيون البدو ترمقنا من بعيد، وسيارة الشيخ تسرع في استقبالنا، ونصل إلى المضارب أخيراً، فيزيل عناءنا بشر الشيخ وسجاياه العربية البدوية الكريمة: أهلاً ومرحباً، هاهو ذا المطر قد كف، والسماء بدأت تتكشف، والعاصفة أخذت تهدأ. إن في مقدمكم الخير بنزول الغيث فما أكرمه من مقدم. فسلمنا عليه وجلسنا خارج الخيام، على مقاعد من قماش ذات مسندين وظهر من الخشب (مثل ما نستعمله على ظهر الباخرة أو في الحديقة) فقلت في نفسي: غريب هذا في هذه البيئة! وما أسمع إلا والشيخ صفوك بن الشيخ عجيل الياور وولي عهد ملك البادية يقول: -
(مرحباً بكم. إننا سعداء جداً برؤيتكم هنا)
قال ذلك في نطق صحيح ولهجة إنجليزية أمريكية. فذهلت! شيخ بدوي قح، يرتدي الملابس البدوية والعقال، وبينه وبين الحضر أميال وأميال، أو إن شئت فقل بينه وبين العالم والحياة أجيال، يكون هو هذا المتكلم المداعب في لباقة ولياقة!؟ يا ما في الدنيا عجايب!
وقلت: إنها مفاجأة ظريفة من رجل الصحراء، فاستدرك مسرعاً وقال: بل من رجل البادية
قلت: وما الفرق بين الصحراء والبادية أيها المعلم اليقظ؟
قال: إن الصحراء مجدبة ورمالها أخشن وتراكمها أسمك. أما الأرض هنا (أي بين النهرين دجلة والفرات - موزوبيتميا فمن أخصب بقاع العالم
حقاً لقد رأيتها كلها مغطاة بالعشب المترعرع بقوة، ونبات القمح والشعير حسن النماء، وشجر الزيتون مورق مورف. . انصرفت إلى تفكيري الخاص برهة، أعلل سبب تحول هذه الصحراء إلى بادية ممرعة. وأسعفتني معلوماتي الجغرافية، فتبينت أنه الرافدان بما امتازا به من روافد طميية سميكة إبان الفيضان، ولعدم تنظيم تصريف مياههما لقلة مشاريع