خدع البسطاء عيشا سهلا. ولكن هذا الصنف في الغالب يعمل في الخفاء، وينفرد سرا بالسذج والأغبياء. أما القول بأن وسيطا يزاول عمله في جمعية علمية سنين متوالية ويجتمع به كل يوم رجال أذكياء اعتادوا البحث العلمي المنطقي المنتظم يكون مدعيا ومحتالا، فقول بعيد جدا عن المعقول وهو مرفوض بالبديهة.
الواقع أن جمهور العلماء اليوم يعترف بوجود أفراد لهم مواهب نفسانية غريبة تمكنهم من أن يدلوا إليك بمعلومات جمة عن نفسك وأسرتك، ومن مات من معارفك، مما يستحيل أن يكون قد وصل إليهم علمه من طريق طبيعي معتاد، والخلاف بين العلماء ينحصر في تعليل هذه الظاهرة، وهل هي اتصال بكائنات حية غير منظورة مما نسميه الأرواح أم لها سبب آخر
هناك تعليل آخر يصح أن تعزى إليه هذه الظاهرة وهو قراءة الأفكار أو ما يسمونه بالتلباثي فقد ثبت بالتجارب العلمية الصحيحة أن بين الناس من يستطيع استطلاع ما في فكر الآخرين دون أن يحتاج في ذلك إلى إشارة أو لفظ. وقد اجرى العلماء في ذلك تجارب عديدة، فإذا طلب من أحد الحاضرين حصر فكره في شيء معين استطاع هذا الموهوب بعد فترة من السكون أن يعرف ذلك الشيء، فيمكن القول أذن بأن ما يدلى به الوسيط وينسبه إلى الأرواح يحصل عليه كله من أفكار الحاضرين.
ولكن الوسيط يدلي أحيانا بمعلومات ليست في ذهن أحد من الحاضرين في ذلك الوقت، فكيف نعلل هذا؟ يكمن تعليله بأن الوسيط يقرؤه من العقل الباطن لأحد الحاضرين. إذ لكل إنسان عقل باطن تستقر فيه ذكرياته وكل ما مر به مما لا يفكر فيه في وقته الراهن. فلعل لدى الوسيط القدرة على ولوج هذه الناحية العجيبة من العقول ليستخرج ما يشاء منها كلما شاء.
ولكن ما قولنا فيما يدلي به الوسيط أحيانا مما لا يمكن أن يكون قد مر بذهن أحد من الحاضرين يوما ما؟ أن الوسيط ينسب أصله إلى الأرواح التي تخاطبه، فهل نسلم معه بهذه الدعوى الخطيرة، ونتخذ من ذلك دليلا علمياً على صحة وجود العالم الروحي والحياة الآخرة؟ أن بعض العلماء يميل لهذا الفرض. . ولكن البعض يميل إلى فرض آخر وهو القول بأن الميت أثناء حياته كان قد فكر فيما ينسبه إليه الوسيط فانتقلت أفكاره إذ ذاك إلى