أسمع الشاعر يقول بلسان والد الجنين الساقط ثمرة متهرئة عن شجرة الحب:
حملت أملك القنوط إلى وجهي ... وكنت الرجاء في أعماقي
جئت في سحنة المسوخ فِلمْ ... حطمت حلماً نما على أحداقي
ألأني بذلت حتى ولم أطعمك ... منه سوت الفتات الباقي؟
ثم يهتف بلسان الحياة قائلاً:
أهلك المائتون في رحمي الحب ... وسمّوا الزلال في ترياقي
فطرحت الأقزام في أسواقي ... عِبَراً للدمار في العشاق
ورأيت الفردوس لفت أفاعيه ... غصوني وكمشت أوراقي
وتراءت لي الطبيعة دنيا ... من كمال نسيقة الأذواق
فرأيت الجماد شبعان حباً ... كل صدر عليه ثدي ساقي
إن في الحب صورة الله لكن ... أين في الخلق صورة الخلاق؟
هذا هو الشعر يتغلغل في تفكيرك وشعورك وذوقك في آن واحد إلى أعماقها جميعاً؛ وكل شعر لا يتحد ثالوث الحكمة والشعور والموسيقى فيه إنما هو محاولة فاشلة
غير أن الشاعر الذي يريد أن يحكم موسيقى بيانه في الدماغ المفكر والحس المرهف تحكماً يتوازى سلطانه فيهما لا يوفق إلى إيجاد الوحدة في كل بيت من أبياته. إن هذه الوحدة وهذا الاتساق والتشابه من حيث الصياغة في كل أجزاء القصيدة إنما يوفق إليها من نظم الحكمة آيات لها ترتيبها وتسلسلها أو من نظم دموعاً وابتسامات وحقداً ونزوات لأنه لا ينقر قيثارته إلا بمضراب واحد، أما من يستنطق أوتاره بهدوء التفكير وثورة العواطف في آن واحد فليس لك أن تطالبه إلا بالاتساق في الصورة الكلمة التي يقدمها لك لأنه يجمع على لوحته بين المتنافرات من الخطوط والألوان
إن شعر أبو شبكة يوقفك منه تجاه فيلسوف ومتشرع ومؤمن وكافر وطاهر وعاهر، ويوفقك من قصائده تجاه عراك بين الفكر والشعور والبيان، فإذا ما شهدت هذه العناصر الثلاثة تتماشى على وتيرة واحدة في كثير من أجزاء قصائده فانك لترى أحدها يسطو في أماكن كثيرة على رفيقته فيخضعهما لسلطانه
إن (أبو شبكة) لا يهمه في فنه إلا أن يصور لك منعكسات الكون على نفسه، ونفسه