وقدسية العدل؛ وإذا كانت صاحبة سره في تجارته نسى تجارته، وأضاع الأمانة والربح، وأهمل السعي والعمل. . . فلا يكون من وراء الشهوة إلا ذل النفس، وموت الشرف، والضعة والتسفل: المعلم سيد تلميذته، والمدير أمير سكرتيرته، والطالب عزيز حيال رفيقته، فإذا جاءت الشهوة، ذل المعلم فكان هو التلميذ وهي السيدة، وذل المدير فكان هو الأجير وهي الآمرة، وذل الطالب فكان من رفيقته بمثابة كليها. . . يتبعها ويبصبص لها!
أو ليس من الذل أن تكون حياتك معلقة بغيرك، وسعادتك بيد سواك، فأنت مضطر إليه، وأنت لعبة في يديه، إن أقبل عليك سعدت، وأن أعرض شقيت، وان مال إلى غيرك اسودت أيامك، وتمنيت الموت؟
هذا والله الذل الذي لا ينفع معه المال الكثير، ولا الجاه العريض، ولا. . . (ملك إنكلترا وتوابعها. . .) وهذه هي حقيقة الحب، الحب الذي ألهه الشعراء!
على أن الحب في الأصل جميل مقدس، وعلى الحب قام الوجود كله وائتلف وسار إلى غايته، والشهوة نافعة لازمة لم تخلق عبثاً، ولا أداة للشر، بل خلقت حياة للجنس وعصمة من أن يمحى أو ينقرض، ولسنا نحقر الحب ولا نذم الشهوة، وإنما نذم الغلو فيهما، وولوجهما من غير بابهما، وأخذهما على غير الوجه الذي خلق الله لهما. . . نذم منطق الشهوة، وللشهوة منطقها الذي يسلب الدين دينه والحكيم لبَّه، ويريه أن له الحق في كل النساء، وانه لم تخلق امرأة إلا للذته (هو) ومتعته، ويصنع له إبليس أدلة هذه الدعوى فيقبلها بعقله الذي انحدر من رأسه، ويتلقاها بأعصابه الهائجة المجنونة، ثم يدله إبليس على سبل تحقيقها، فيسلكها لا يبالي الدين ولا العرف ولا المروءة ولا شيئاً مما تواضع على إجلاله الناس ويتم إبليس عمله، فيدخل في رءوس نفر من الأدباء، ثم ينطق بلسانهم، ويخط بأقلامهم، هذا الأدب الوقح البذيء، أدب أبي نواس من الأولين، وآباء نواس من العصريين، الأدب الذي يستقر في أدمغة الشباب استقرار صناديق البارود في أصول البيوت، فلا يلبث أن يتفجر عند الشرارة الأولى، تخرج من عين امرأة، فينسف عقل صاحبه ودينه، وأخلاق الأمة وصيانتها، ويقطع نسلها ويؤلف (المشكلة الكبرى) التي عرضنا من أسابيع إلى وصفها. . . ولا نعدم مع ذلك من الناس من يعجب بهذا الأدب ويكبره ويسمي صاحبه بأسماء الجهابذة الأعلام من أرباب البيان وحملة الأقلام. . .