وجاء الصباح، وجلسنا حول مائدة الإفطار، وكانت أيضاً على أحدث نظام أوربي أنيق؛ فقلت: حقاً لقد خسرنا القضية في هذه الرحلة يا حضرة الشيخ، قال: لا، الغداء سيكون بدوياً فلا تخافي، وحقاً لقد كان
الغداء البدوي
انتشرنا بعد تناول طعام الفطور في البادية نستجلي مباهجها، ونستكشف أزهارها، ونجمع أنواعها الغريبة، ونبحث عن الكمأة (الكمه) - وهي نوع من الفطر يوجد تحت الأرض، يشبه البطاطس، ولا ورق له ولا فروع - يستعملها البدو كنوع من الخضار يطهى مثل البطاطس. وتجفف منه كميات كبيرة لفصل الصيف المجدب
عند الساعة الثانية عشرة ظهراً دعينا لركوب السيارات، وإذا بها تسير بنا من حيث خيام الشيخ إلى قلب البادية، فقطعنا نحو عشرة أميال على بساط سندسي جميل على أرض مستوية ثابتة، حتى وصلنا مجرى ماء بجري في مساحة طويلة وسط البادية (كونته سيول الأمطار الغزيرة) وهناك وجدنا عبيد الشيخ، قد فرشوا سجادة عجمية نفيسة حمراء اللون، قرب مجرى الماء. ووضعت صينية كبيرة فضية وعليها حَمَل محمر، ومعه أرز الزعفران المزخرف بالكشمش (أي الزبيب)
قال الشيخ: هكذا يكون أكل البدو، وضرب بيمناه في الأرز المحشى به الحمل، وأخذ منه كمية طيبة إلى فمه، ثم بدأ يوزع علينا من اللحم الشهي. فكانت أكله بدوية بحته، بين مظاهر الطبيعة الخلايا، والنفوس العربية الكريمة والأيدي السخية
تفضل الشيخ فسمح لي باستخدام صحن خاص أضع فيه الكمية التي أستطيع أكلها، وما كدت انتهى منها حتى أمر الندل أن يضع لي كمية أخرى، وما أرى وقد حمل المغرفة وملأها بالأرز وفتات اللحم، وينوي وضعها في صحن، فقلت له: لا أريد مزيداً، أشكرك، فظل ممسكا المغرفة بيده الممدودة نحوي وقال: ولكنه أمرني (يعنى أن سيده قال له ضع طعاماً للسيدة) ومن سلوكه وتوخيه تنفيذ أمر شيخه المطاع، شعرت ضمناً أنه يقول (من لم يمت بالسيف مات بغيره)، وكبشة الندل كانت (غيره) على التحقيق ما أشد إصرار البدوي، وما أقوى عزمه فقلت: حسن أطع أمر الشيخ بارك الله فيك. فوضع ما بالمغرفة في صحن وصار جذلاً