المنتشرة، من المحيط الأطلسي إلى أقصى بلاد الصين، حين كان سائر العالم في دياجين من الجهل لا يعرف لنفسه منها مخرجا -
في ذلك الزمن كان السائح المتجول ينتقل من القطر إلى القطر ويتجول في الإقليم بعد الإقليم، وما ينتقل من وطن إلا لينزل في وطن، فحيثما سار، وأينما حط رحاله، لن يخرج عن الوطن العربي الفسيح، سواء أصعد أم أسهل، وأتهم ام أنجد.
وكانت هذه الأقطار كالعقد المنظوم، انبسطت حباته على محيا البسيطة ينتظمها جميعا سلكان ذو قوة ومتانة برغم أنف الزمان، وهما الدين الإسلامي واللسان العربي
وليس من شك في أن للعراق في هذا العقد منزلة خاصة. ولئن لم أنه واسطة ذلك العقد، لأننا لسنا في مقام المفاضلة. فلا أقل من أن نؤكد أن العراق جوهرة ثمينة براقة في ذلك العقد النظيم الذي لم يشهد الدهر له ضريبا.
على أن صورة الدولة الإسلامية ليست الصورة الوحيدة التي يثيرها حديث العراق. هذه صورة يهتم لها العالم الإسلامي، والناطقون بالضاد. ولكن هنالك صورة أخرى تعني العالم كله، لا فرق بين شرقه وغربه، ومسلمة وغير مسلمة. وهي صورة العراق أيام كان مهد الحضارة الأولى. في أقدم عصور التاريخ. فهنا، في سهول دجلة والفرات، نهضت حضارة سومر وأكد قبل ميلاد المسيح بأربعين قرنا، أيام لم يكن في العالم كله ثقافة ولا حضارة، اللهم إلا في الوادي الشقيق الذي نعيش فيه.
إن هذه الحقيقة وحدها لكافية لأن تثير في قلب كل إنسان شغفا بالعراق الذي كان مهد لكل هذه الحضارات، والذي ظل عامرا زاهرا كل هذا الدهر الطويل، الذي يتضاءل بجانبه عمر هذه الدويلات المحدثة، التي ملأت عصرنا هذا عجبا وضوضاء
إذن هنالك أسباب عدة لأن نعني بدرس جغرافية العراق دراسة خاصة. وأخلق بنا - نحن مدرسي الجغرافيا - أن نذكر هذا أبدا، وأن نكون دائما على استعداد - في مقام التمثيل والاستشهاد. لذكر البلاد الشرقية والديار العربية فإذا كنا نتحدث عن الأنهار وجغرافيتها، فلا ننسى أن نذكر انهار الشرق، دجلة والفرات، وسيحون وجيحون والأردن والعاصي، ولا نكتفي بذكر الرون والرين، والطونه والسين.
على أن الكتب العربية الحديثة التي وفت هذه الموضوعات حقها من البحث قليلة جدا،