للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والمشتغلون بالجغرافيا في البلاد العربية - وعلى الأخص في مصر - قلما يكتبون ابتغاء وجه العلم، بل يكتب أكثرهم ابتغاء عرض الحياة الدنيا. ولهم في ذلك أعذار مقبولة وأخرى غير مقبولة، وعلى كل حال لقد أصبحنا في مصر - مثلا ولدينا عشرات من الكتب (المقررة) للمدارس الابتدائية وغيرها، وليس لدينا كتاب واحد حديث يفصل لنا جغرافية مصر تفصيلا علميا متقنا

لهذا كانت دهشتي عظيمة حين تناولت كتاب (جغرافية العراق) تأليف الفريق طه الهاشمي باشا، رئيس أركان حرب العراق. فرأيته يتناول جغرافية العراق بالبحث المفصل الواضح، لم يغادر ناحية من نواحي علم الجغرافيا إلا عالجها في قدرة فائقة تشهد بالفخر لمن كانت حرفته الجغرافيا. فكيف والكتاب من إنتاج رجل حرفته الأولى تعبئة الجيوش، ورسم الخطط الحربة، وتدبير المعارك الحاسمة؟

ولئن كنا مضطرين إلى إكبار هذا الجهد الفائق وإلى الإعجاب الشديد به، فانه يحق لنا أن نعجب كيف بدأ التأليف الجغرافي بالعراق ناضجا كاملا على هذا النحوت من غير إرهاصات ولا مقدما. ولا دون نشوء ونمو. اللهم إلا تكون هنالك مؤلفات سابقة ليس لنا بها علم.

وكل مطلع على هذا الكتاب بمن له أقل خبرة بالتأليف الجغرافي لابد أن يدرك ما عاناه المؤلف في جمع كل هذه الإحصائيات الدقيقة، وفي إخراج هذه المصورات المتقنة. خصوصا إذا ذكرنا أنه يطرق أبوابا جديدة، ويعالج أمورا لم يعالجها المؤلفون قبله. ويسير في سبيل لم تمهد ولم تعبد

ان العراق هو أشد أقطار العالم شبها بمصر ولقد تكون أمطاره في بعض نواحيه أغزر منها في وادي النيل، غير أن العراق يعتمد قبل كل شيء على ماء أنهاره كما تعتمد مصر على نيلها. والعراق نهران يكاد ذكر اسميهما أن يكون من الفضول: دجلة (الفتاة) التي تجري في شطره الغربي، والفرات (الفتى) الذي ينساب في الجانب الغربي. كلاهما يبدأ مجراه في جبال أرمينيه. وكردستان وليس بين منابعهما مسافة كبيرة. فأما دجلة فتنحدر مسرعة أو متسرعة - كسائر الإناث لا تلتفت يمينا ولا يسارا، بل تجري معجلة إلى البحر (خليج العجم). وإما الفرات فيسيل مغربا حتى يدنو من بلاد سورية. وكأنما كان يريد أن

<<  <  ج:
ص:  >  >>