الذي بقي أمام هذه الشدة رابط الجأش صارم العزم قوي الإيمان، وذلك هو الرجل الذي ألقت عليه الأقدار عبء قومه دون غيره من الرجال فكانت كأنما اختارته عن بينة مما تبيت وتدبر!
وقف ابراهام عزيزاً لا يهون، صلبا لا يلين، بصيرا لا يطيش حلمه، أميناً لا يخون العهد الذي قطعه على نفسه، مؤمنا لن يقعد حتى يتم رسالته أو يموت. . . وكان موقف الرئيس هذا هو كل ما بقي للقضية من عناصر القوة. . . ولكن أية قوة لعمري هي أعظم وأبقى من تلك القوة؟ ألا أن الظروف التي بالغت في قسوتها على الاتحاد وأنصاره قد عوضتهم من جهة أخرى خير العوض بأن جعلت على رأسهم ذلك الرجل العظيم. . .
وليت شعري ماذا كان عسيا أن يحدث من أول الأمر لو لم يكن على رأس البلاد هذا الذي درج من بين أدغالها؟ بل ماذا كان عسيا أن يحدث في هذه الآونة الدقيقة التي لم يكن للبلاد فيها من عاصم إلا الصبر كأعظم ما يكون الصبر؟ وأي صبر هو أشد وأبلغ من صبر ذلك الطود الراسخ الأشم؟
وكان من قواد الحرب يومئذ قائد يدعى هوكر وهو في المرتبة الثانية من بعد بيرتسيد، راح في ذلك الوقت يذيع في الجند أن البلاد أشد ما تكون حاجة إلى ديكتاتور يقضي على المنازعات ويرغم الأحزاب أن تحبس هذرها وتدفن خلافها، وأن الجيش لن يقوده إلى النصر إلا مثل ذلك الرجل الذي يقبض بيد قوية على أزمة الأمور في الدولة وفي الميادين جميعاً!. . . ولقد ذاعت أفكار هوكر حتى لقد اجترأ ضابط كبير أن يعلن (أن الجيش وعلى رأسه ماك الصغير يستطيع أن يطهر المجلس التشريعي والبيت الأبيض). . . قالها من غير تحرج وإن كان قد ألقي القبض عليه من أجلها. . .
وكتب لنكولن إلى هوكر يعاتبه على ما يذيع من أفكار ويحذره العاقبة ويعينه قائداً لجيش بوتوماك، ومما جاء في خطابه قوله:(إنك لن تستطيع أنت ولا نابليون - إذا قدر له أن يبعث - أن ترجع بخير من جيش هذه هي روحه. . . ألا حذار من التعجل، حذار من التعجل، ولكن أقدم في نشاط وحمية لا تخبو واكسب لنا النصر)
انتهى العام الثاني بهذه الحرب الهائلة، وقد لاقى الشماليون ما لاقوا من الهزائم، ولقي الرئيس من عنت الظروف والرجال ما لاقى، وحل العام الثالث فلقي الرئيس في مستهله