في الشهر! أتدري من أين تأتيهن هذه الخمسون قرشاً؟ تأتي من أجرة الدكان. فقد استأجر الصانع الذي كان يعمل فيه آلاته وأدواته وأثاثه بمائة قرش، فكن يعطين وزارة الأوقاف منها ثمانين كراء المحل، حتى سعى لهن أهل الخير لديها فجعلته خمسين.
ويتساءل الناس بعد ذلك كيف يعيش هؤلاء النساء الأربع على هذا النزر اليسير من الرزق فلا يستطيع أحد أن يجيب، لأنهن أغلقن على أنفسهن وعلى بؤسهن غرفة من غرف الغسيل في بيت متهدم من بيوت (زين العابدين) فلا يدخل عليهن إلا جارة برغيف، أو خادمة بصحن. . .!
فليت شعري أتقنع الفتاتان كما قنعت المرأتان بهذا العيش، أم تُحملان آخر الأمر على ركوب الغواية والطيش؟
ذلك سؤال كان ينبغي أن يوجه إلى وزارة الأوقاف وأغنياء الأمة؛ ولكن وزارة الأوقاف ليست بيت المال الذي كان يقوم عليه عمر، والأغنياء في مصر كلما أفعم الله جيوبهم بالمال، أفرغ جنوبهم من الرحمة. فأموالهم للأحزاب والانتخاب، وعواطفهم للخيل والكلاب، ودنياهم للغرور والأبَهة. فلم يبق لطرائد الشقاء وفرائس الفاقة غير الله. ولله في أموال هؤلاء القساة حق معلوم هو الزكاة. والزكاة ركن من أركان الإسلام كالشهادتين والصلاة. والإسلام يعيد اليوم في عهد الفاروق زمانه وسلطانه، فالأمراء والوزراء يصلون، والمترفون والمثقفون يحجون، والدين والمدنية يتعاونان على تنزيه النفس وترفيه العيش وتأمين الحياة. فلماذا يظل هذا الركن مهدوماً وهو وحده العماد القوي لبناء الأمة، والطِّباب الناجع لأدواء المجتمع؟ لقد فرضت الحكومة على الأموال الثابتة والمنقولة ضرائب العمارة والدفاع والأمن، وجبَتها على الطوع والكَره؛ فما بالها وهي الحكومة الإسلامية القوية لا تجمع بوسائلها الإدارية ما جعل الله للفقراء، في أموال الأغنياء، ثم تقسمها على من سماهم الله في كتابه، فتأمن بذلك ثورة النفوس واضطراب الأمن وسخط العدالة؟
إنها إن تفعل ذلك تُرض نفوس العامة. وفي رضا هؤلاء تكثير النسل وتوفير الإنتاج وتيسير المعيشة. ولن تجد في جباية الزكاة ما تجد في جباية الخراج من امتعاض أو اعتراض أو مشقة، فإن البذل في سبيل الله ربِا المؤمن. ومليونا جنيه من الصدقات يدخلان بيت المال في كل سنة مع الأمانة والعدل، لا يتركان في الأمة سائلاً في شارع، ولا جائعاً