العربية المتصلة بها من مناطق تشابك اللغات وتعقدها؟ وهل يتوقف اتحاد مصر مع سائر الأقطار العربية على تجزئتها أو تجزئة غيرها؟
ترون أيها الأستاذ أنه لا يوجد في مثال بلجيكا ما يؤيد دعواكم بوجه من الوجوه.
أما قيمة المثال الثاني الذي ذكرتموه، فلا تختلف عن ذلك كثيراً: فإن سويسرا أيضاً من مناطق تلاقي وتشابك اللغات، تتلاقى فيها اللغات الفرنسية والألمانية والإيطالية، كما تتلاقى فيه أهم سلاسل الجبال الأوربية. . . فلا يجوز اتخاذها دليلاً على عدم وزن اللغة في تقرير مصير الأمم بوجه من الوجوه. .
وأما المثال الثالث الذي ذكرتموه، فهو أيضاً لا يؤيد دعواكم في هذا الباب: أنا لا أرى لزوماً - في هذا المقام - إلى شرح خصائص أمريكا، ولا إلى البحث في قضية العناصر بها. . . بل سأكتفي بالإشارة إلى عظمة المحيط الاطلنتيكي الذي يفصلها عن القارة الأوربية. . . واعتقد أن هذه الإشارة وحدها تكفي للبرهنة على أن قضيتها لا تشبه قضية البلاد العربية بوجه من الوجوه. . . فإن الأقطار العربية متصل بعضها ببعض اتصالاً جغرافياً تاماً. . . والقطر المصري يشغل بين هذه الأقطار مركزاً هاماً. وأما الحدود التي تفصلها عن سائر الأقطار العربية، فتنحصر - في بعض الجهات - بخطوط وهمية تمتد فوق رمال الصحراء. . . فهل تعتقدون أن هذه الخطوط الوهمية التي تفصل مصر عن سائر الأقطار العربية بصورة اعتبارية واصطناعية، تستطيع أن تعمل عملاً مماثلاً لعمل المحيط الذي يفصل أمريكا من أوربا بصورة حقيقية وطبيعية؟. . .
بعد أن شرحتم، أيها الأستاذ، وجهة نظركم في الوحدة العربية، رأيتم أن تقدموا نصيحة إلى محدثيكم الشبان، فقلتم:
إن كان لي نصيحة أسديها إليكم فأن تتمسكوا بالواقع العلمي وتهملوا سواه، مهما كانت قوته العاطفية والخيالية. افهموا أن المنفعة تسير الشعوب. فإن لم تفهموا هذا اليوم فسترغمون على فهمه غداً. . .
أنا أضم صوتي إلى صوتكم في هذه النصيحة، من حيث الأساس؛ غير أنني أنكر عليكم النتائج التي وددتم أن تصلوا إليها تحت حماية هذه النصيحة. . .
تقولون إن المنفعة تسيّر الشعوب؛ فهل تعتقدون أن (اتحاد الأقطار العربية) مخالف لمنافعها