للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أفتلومونني إذا قلت إن هذه المحاكمة لا تخلو من الشبه بمحاكمة من يقول: (لو كان لجاذبية الأرض وزن في تقرير مواضع الأجساد لما بقيت القناديل معلقة في السقوف، ولما صعدت الأدخنة إلى السماء، ولما طارت الطيور وارتفعت المناطيد.)

اسمحوا لي أن استعرض الظروف الخاصة التي تلازم كل واحد من الأمثلة التي ذكرتموها، لكي أبرهن على صحة تشبيهي هذا.

إن أول الأمثلة التي ذكرتموها للتدليل على عدم (وزن اللغة في تقرير مصير الأمم) هو وجود بلجيكا. وهل فاتكم أن بلجيكا ليست متجانسة من حيث اللغة، بل هي من المناطق التي تتلاقى وتتشابك فيها اللغات؟ ولا شك في أنكم تعلمون أن النصف من سكانها يتكلم الفرنسية، في حين أن النصف الآخر منها يتكلم الفلامندية. . . فاتحاد كل فريق من هؤلاء مع سائر أبناء لغتهم يتوقف على (تجزئة وتقسيم بلجيكا) في حين إن ذلك يصطدم بمشاكل عظيمة وموانع جسيمة من الوجهة الجغرافية والاقتصادية والسياسية.)

أولاً - إن حدود الألسن في بلجيكا لا تخلو من تشابك وتعقيد؛ فعاصمتها بروكسل - مثلاً - تقع في منطقة فلامندية مع أنها من أهم المراكز الفرنسية، يتكلم سكانها اللغة الفرنسية في حين إن سكان القرى والقصبات المحيطة بها يتكلمون الفلامندية؛ ولا شك في أن هذا التشابك يجعل أمر تجزئة هذه المملكة من المشاكل العويصة من الوجهة المادية والجغرافية.

ثانياً - إن حدود المناطق اللغوية في بلجيكا لا تتفق مع حدود المناطق الاقتصادية، مما يجعل أمر التقسيم عسيراً جداً من الوجهة الاقتصادية أيضاً. . .

ثالثاً - تشغل بلجيكا موقعاً هاماً بين ثلاث من اعظم الدول الأوربية وهي ألمانيا وفرنسا وإنكلترا، ولا حاجة لإيضاح أن تعارض منافع هذه الدول المنظمة الثلاث (جعل أمر) إبقاء المملكة البلجيكية على حالتها وعلى حيادها (من لوازم التوازن الدولي العام، ومن مستلزمات (السياسة العالية الهامة، فكيف يجوز لكم أن تعتبروا (وجود بلجيكا) دليلاً على عدم (وزن اللغة) في تقرير مصير الأمم؟ أفلم أكن محقاً فيما قلت: - إن ذلك يشبه اعتبار توازن بعض الأجسام دليلاً على عدم تأثير الجاذبية الأرضية عليها؟. . .

هذا، ومن جهة أخرى أود أن أسألكم: هل من وجه لتشبيه قضية (بلجيكا والأمم المجاورة لها) بقضية مصر والبلاد العربية المتصلة بها؟ وهل من مجال لاعتبار مصر أو الأقطار

<<  <  ج:
ص:  >  >>