الألوان التي يتكون منها شعاع النور ينفي وجود النور. وإنما دفعه إلى إنكار الحق أن نغاير وجوه الحق قد يجعله عند الناس كمقياس من الجلد القابل للتمدد يتخذونه لقياس الأقمشة وهم تارة يمطونه إلى نصف مط، وتارة يمطونه إلى آخر ما يستطاع فيه من المط حسب أهوائهم. وكذلك يطيلون الحق ويقصرونه حسب أهوائهم فيصير الحق مقياس محتال وآلة خداع فتقل حماسة المرء في سبيل الحق، ويحتقر الجهاد في الحياة لنصرة الحق، ويدفعه اختلاف أوجه الحق إلى إنكار الحق، ويهيئ له العذر في نصرة الباطل لأنه يرى أن الإحساس بالحق والباطل يختلف كاختلاف الإحساس بالحر والبرد حسب الأمزجة والطبائع. وإذا نظرنا إلى اكثر الممتعضين من الحياة الراجين إصلاحها وجدناهم من أصحاب المزاج الشاذ أو من ذوي الفشل أو الفقر؛ وبالرغم من أن أساس هذا الامتعاض فردي، وأنه شعور خاص، فإنه من وسائل الرقي والإصلاح، ويؤدي إلى كثير من الخير والحق. وكذلك إذا نظرت إلى أصحاب المزاج المعتاد وأهل النجاح والسعادة وجدتهم يكرهون كل تغير، ويرون صلاح الحياة في بقاء كل قديم على حاله؛ وبالرغم من أن أساس رأيهم شعور خاص بما فيه النفع لهم فإنهم يدافعون عن الحق الكائن والخير القديم ويفطنون إلى ما في رأي الممتعضين من الحياة الراغبين في إصلاحها من وهم وباطل وشر وإن لم يفطنوا إلى ما في رأي هؤلاء من حق وخير. والرجل المثقف هو الذي يستطيع أن يجمع بين النظرتين من غير أن ينعدم الحق في نظره، والذي يعد فريضة التشبث بالقديم ليست من الباطل بل هي الحجر الذي يحتك به زناد المتطلعين إلى منازل الرقي الراغبين في إصلاح الحياة فيوري هذا الاحتكاك نور الحق ونار الحياة. وإنما ضربنا مثل هاتين الطائفتين كي نوضح أن اختلاف منازل الحق لا ينفي الحق. وليس من الصعب تطبيق هذه الفكرة بالرجوع إلى كل أمر من أمور الحياة، والى كل فريق من طوائف الفكر والعمل، والى كل مذهب من مذاهبهما. ومن أجلها كانت كل حقيقة متممة لأختها؛ ولا يتم الحق في رأي إلا بما في نقيضه من حق، كما لا يتم الباطل في رأي إلا بما في نقيضه من باطل متصل به أو قد يتصل به. والذي يحير المفكر الذي لا يجد في الثقافة عزاء ولا هو ممن يتغلب على نزعات الفكر الحر بالتعصب لجانب منه أنه يريد حياة بسيطة ولكنها ليست بسيطة، بل إنها كالخيط المعقد تلوى بعضه في بعض. فإذا