عجيب هذا - وما معناه -؟ الكل يرتدي ثوباً منسدلا منسجما عليه بنظام واحد كون شبه قلادة حول العنق تتدلى إلى الجزء الأعلى من البطن، أما عند السيدة فتنحدر قليلاً إلى أسفل. ووضعت اليدان متقابلتين على الحجر فوق الركبتين، والراحتان منقبضتان في يسر، والإبهامان ملتصقين، وشكلها كما لو كان الإنسان يفكر في شيء مهم يشغل كل انتباهه وجميع حواسه. فالتماثيل كلها مسبلة الجفنين، مطبقة الشفتين، تومئ قليلاً إلى أسفل، وتتجه جميع الوجوه إلى الأمام.
عجيب هذا الأمر الذي جعل من تسع وأربعين شخصية مختلفة شخصية واحدة، كأنما تنازلت عن ذواتها في سبيل هذا الأمر الواحد، فظهرت كلها متحدة متشابهة! أو لعلها شخصية واحدة نحت لها ثمانية وأربعون تمثالا وراءها تمثال لسيدة لا يختلف عنها كثيراً!
وأنت أيتها السيدة، منصرفة إلى تفكير عميق مثلهم، لا تمتازين إلا بشيء آخر غير الشعر، وهو أن يديك وإن كانتا تشابهان باقي الأيدي في وضعها إلا أنهما شاذتان عنها في نوع القبضة وتقابل الإبهامين، حيث يدل منظرها على تمسك برأي أو بمبدأ. وكأنما تعرضين هذا الأمر على مجلسك فيقبله مستشاروك بروح سلام وإعمال فكر، بدت آثاره على محياهم، وانصرف جميعهم إلى التفكير العميق فيه بلا انقطاع؛ ويلوح أن الكل مشبع بروح الود والإخلاص والتضحية، والرأي لم يبرز نتاجه بعد، ولم يتم حكمه.
ترى ما هذا الأمر الذي لا يترك أثراً للتأفف على الوجوه، ولا على السلوك؟!
هاهي ذي الشمس تشع، ويسطع نورها على التماثيل التسعة والأربعين فيعمل اختلاف مسقط الظل عمله، فتظهر التماثيل المتحدة، بأشكال وسمات مختلفة؛ وبذلك تنعكس طبائع النفوس على حقيقتها وإن اتسمت كلها بسمة واحدة ووضع واحد ونوعية واحدة في ظاهرها. إن فن المنظور يحتم تضاؤل أو تعاظم هذه التماثيل بالنسبة لارتفاع المواضع أو انخفاضها، وبالنسبة لبعدها أو قربها. وهاهي ذي عين الإنسان، تتغير نظرتها وتتبدل، بالنسبة لهذه التماثيل مرات في وقت قصير.
الشمس تحجبها السحب، فيظهر المنظر كله من نوع آخر ومعنى آخر. وإذا ماء البركة الذي كان يتماوج ويوحي الفلسفة، ويدعو إلى التفكير ويستلهم منه مجلس التماثيل الاستشاري الصامت إلهامه من لحظات مضت - قد تسرب، وظهر قاع البركة جافاً، إلا