للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تلك يا بولوس هي الغايات التي يلوح لي أن البيان يستطيع أن يخدمها لأني لا أراه يقدم فائدة كبيرة لذلك الذي لا يستطيع أبداً أن يرتكب ظلامة ما، إذا صح أن يقدم له أية فائدة! وقد رأينا في مناقشتنا السابقة أنه (أي البيان) لا يصلح لشيء.

ك - أخبرني يا شيريفين! أترى سقراط جاداً فيما يقول أم هو يهذر؟

ش - يلوح لي يا كاليكليس أنه جاد كل الجد، ولكن ليس أفضل من أن توجه إليه سؤالك.

ك - وأنا أرغب في ذلك كل الرغبة وحق الآلهة! أخبرني يا سقراط: أيجب أن نعتقد أنك كنت جاداً طوال هذه اللحظة أم كنت تهذر؟ ذلك أنه إذا كان كلامك مقصوداً، وإذا كان قولك حقاً، فإن حياتنا الاجتماعية لا شك معكوسة، وإنا لنفعل - فيما يلوح - نقيض ما يجب أن يفعل!

ط - إذا لم يكن الناس يا كاليكليس خاضعين لأهواء واحدة وكان لهؤلاء اتجاه ولأولئك اتجاه آخر، بل وكان لكل منا هواه الخاص الذي لا يتصل بأهواء الغير، فإنه لا يكون سهلاً ولا ميسوراً أن نجعل الغير يدرك ويفهم ما نشعر به، وإذا كنت أقول ذلك فإنما أقوله لأني قد لاحظت أننا الآن - أنت وأنا - في نفس الحالة، فنحن الاثنين عاشقان لموضوعين اثنين، أنا (لألسبيادبن كلينياس) والفلسفة؛ وأنت (لديموس) الأثيني (ولديموس بن فيريلامب) ولذلك أتخيل دائماً أنه بالرغم من فصاحتك الخاصة، فإن كل ما يقوله موضوع غرامك وهواك وأي نحو يري به الأشياء، لن يجد منك القدرة على مناقضته! بل إنك سوف تترك نفسك كالريشة في مهب أفكاره، بحيث لو قد بسطتَ في الجمعية العمومية فكرة ما، وقام (ديموس) الأثيني يعارضها، فإنك ستتركه يفعل ما يشاء، وستعدل من لهجتك تبعاً لأهوائه؛ كما إنك قمين بأن تفعل مثل ذلك إزاء هذا الفتى الجميل ابن (فيريلامب)! ذلك لأنك يا كاليكليس في حالة لا تسمح لك بمعارضة رغبات وأقوال محور عشقك وهواك، بحيث إذا دُهِشَ بعضهم وبُهت في كل مرة تتكلم فيها، وساير أقوالك فوجدها سخيفة معتلة فإنك ستستطيع أن تجيبه - إذا أردت أن تقول الحق - بأنه إذا لم يمنع أحد (غرامك) من أن يتكلم كما يتكلم، فإنك لن تستطيع أن تمنع نفسك من أن تقول ما تقول! فقل لنفسك إذاً إنها يجب أن تنتظر نفس الإجابة من ناحيتي. ولا تعجب من الأقوال التي سأقولها، ولكن أرغم - (إذا استطعت) - موضوع حبي - (وهو الفلسفة) - على أن يكفَّ عن قول ما

<<  <  ج:
ص:  >  >>