يقول! إنه هو في الحقيقة يا صديقي العزيز الذي يقول من غير توقف ما تسمعني أردده في هذه اللحظة، وإنه لأقل تغيراً بكثير من موضوعات غرامي الأخرى؛ لأن (ابن كلينياس) يتكلم أحيانا بطريقة أخرى، بينما لا تتخذ الفلسفة دائماً إلا قولاً واحداً؛ إنها هي التي نطقت بالأقوال التي أدهشتك، والتي ساعدت بنفسك في مناقشتها؛ وأكرر أنها بالتالي هي التي عليك أن تناقضها، فبرهن إذاً على أن ارتكاب الظلم والعيش بعد ارتكابه دون عقاب ليس بأفدح الشرور؛ وإلا فإذا تركت ذلك القول دون أن تنقضه، فإني أقسم لك (بالكلب) إله المصريين يا (كاليكليس) أنك لا تتفق مع نفسك، وأنك تعيش معها في اضطراب دائم؛ وأنا أفضل من ناحيتي يا صديقي الحاذق أن تكون لي ربابة غير متوافقة الأوتار وكلها نشوز، أو أن أكون رئيساً لفرقة مغنين مضطربة الأصوات، أو أن أجد نفسي معارضاً ومناقضاً لأغلب الناس، على أن أكون مختلفاً فقط مع نفسي ومناقضاً لها.
ك - يبدو لي يا سقراط أنك تبدع في كلامك كما يبدع الخطيب الشعبي؛ وإنك لتخطب هكذا لان بولوس قد أصيب بنفس الغيبوبة التي قد اتهم جورجياس بإصابته بها حيال أقوالك. والحق أن بولوس كان محقاً في قوله إن اعتراف جورجياس - عندما سألته أنت هل سيعلم (العدالة) لذلك الذي سيقصد إلى مدرسته راغباً في تعلم البيان دون أن يعرف شيئاً عنها، وأجابك هو بأنه سيعلمه إياها جرياً وراء خجله الكاذب، وخوفاً من أن يصدم آراء أتباعه السابقة الذين كانت ستغضبهم أية إجابة غير هذه - أقول الحق بأن بولوس كان محقاً في قوله. إن هذا الاعتراف جعل الرجل يتناقض مع نفسه ويحقق ما كنت تبغيه منه تماماً؛ ولكن هاهو ذا بولوس قد أصبح بحق (أيضاً) موضع سخريتك فيما يلوح لي، وذاك هو السبب الذي جعله يضع نفسه موضع جورجياس: فإني لم أرض من ناحيتي عن موافقته لك على أن (الأقبح) هو ارتكاب الظلم لا احتماله: لأنك استطعت بعد ذلك التنازل منه عن رأيه أن تعرقل مناقشته بتدليلك، وأن تقفل فمه فلم يجرؤ على الكلام متابعاً رأيه، والواقع أنك في الوقت الذي تزعم فيه وتؤكد أنك تبحث عن الحقيقة وحدها نراك تسلك مسلك الخطيب الشعبي المهرج وتوجه الكلام نحو (الجميل) لا تبعاً لأحكام الطبيعة، بل تبعاً لأحكام القانون، ولكن الحق أن الطبيعة والقانون يتناقضان في أغلب الأحيان، فإذا حدث وغلب الحياء على المتكلم فمنعه من التصريح بما يراه فإنه يضطره إلى مناقضة نفسه؟