والانصراف عما يجعل للحياة قيمة أو يجعلها خليقة بالتفكير والتقدير.
ومنها دار الأوبرا الملكية التي تنام تسعة أشهر، وتستيقظ ثلاثة أشهر من كل عام، تنام لأنها في بلد يحب النوم، وتستيقظ لأن قوماً من الأجانب يوقظونها كلما انتهى الخريف وأقبل الشتاء، وهم يوقظونها لأنهم يدعون إلى ذلك ويرادون عليه. تدعوهم إلى ذلك الدولة. لأنها لا تريد أن ننام طول العام، أو لان يظن بنا الناس أننا ننام طول العام، أو أن يزورنا السائحون فلا يجدوا عندنا ما يلهيهم ويريحهم من تعب النهار. ويدعوهم إلى ذلك ضيفنا الأجانب الذين لا ينامون لا في الصيف ولا في الشتاء، ثم أيقاظ في بلادهم إذا أقبل الصيف، وهم أيقاظ في بلادنا إذا كان الشتاء، هم يلهون في بلادهم على حساب أنفسهم إذا أقبل الصيف، وهم يلهون في بلادهم على حسابنا نحن إذا أقبل الشتاء، والغريب أننا نلهيهم ولا نلهو معهم. وحق الضيافة على أقل تقدير يقضي علينا بأن نشاركهم فيما نقدم لهم من اللهو. ولكن أحصيت لي الطرابيش التي كانت في الأوبرا يوم الاثنين الماضي. فلم تبلغ العشرين. فأما العمائم فما لها وللأوبرا؟ وكيف يظن بها أن تختلف إلى هذه الدار؟!