أن قيمة الأدب هي بمقدار انطباقه على أهواء النفس وارتياحها إليه وقدرتها على أن تسيغه بلا تكلف ولا عناء.
وثمة سبب آخر، هو طغيان السياسة على الأدب في هذا الجيل طغياناً أقحم على الأدب ما ليس فيه وعلى الأدباء من ليس منهم؛ بحيث يتحرج أكثر الأدباء أن يقولوا قلة أو رأياً أدبياً في أديب أو شاعر إلا متأثرين بما كان له من مذهب سياسي أو رأي في السياسة المصرية.
والرافعي رجل - كان - لا يعرف السياسة ولا يخضع لمؤثراتها، ولم يكن يعتبر له مذهباً في النقد إلا المذهب الأدبي الذي لزمه منذ نشأ في الأدب؛ فمن ذلك كانت خصوماته الأدبية تنتهي نهايتها إلى اتهامه في وطنيته وفي مذهبه السياسي؛ ورآها أكثر خصومه من كتاب الشعر فرصة سانحة لينالوا منه عند القراء، فانتهزوها، وبالغوا في اتهامه، وأغرقوا في الطعن على وطنيته وتأولوا مذهبه، حتى عاد عند أكثر القراء رجلاً لا وطنية له ولا إنسانية فيه ولا إخلاص في عقيدته. وما تزال السياسة عند أكثر شباننا ذات سلطان، وما زال الأدب يجري في غبار السياسة وهو أعلى مكاناً وأرفع منزلة. . .
ولقد يضاف إلى كل أولئك سبب أخير، هو أن أكثر ما كان يتناوله الرافعي من شؤون الأدب هو ما يتصل بحقيقة الإسلام أو معنى من معانيه. على أن الكثرة من ناشئة المتأدبين يريدون أن يفرقوا بين الأدب والدين، فلا يرون ما ينشأ في هذا الغرض لوناً من ألوان الأدب أو مذهباً من مذاهبه.
تلك جملة الاسباب، أو مجمل الأسباب، التي باعدت بين أدب الرافعي وبين الجمهور من ناشئة المتأدبين، ما بد من النظر فيها والبحث عن علاجها حين نهم بأن نجدد دعوة الرافعي وننشر رسالته، إن كان ثمة يقين بأن أدب الرافعي حقيق بالخلود؛ وإن اليقين به ليعمر قلب كل أديب يؤمن بأن الدين واللغة هما أول المقومات لقوميتنا العربية المسلمة.
ذلك شيء.
أما آثار الرافعي فلها حديث طويل.
هذه دكاكين الوراقين ليست فيها كتاب من كتب الرافعي،
وهذا مكتب الفقيد عليه كتب من كتبه لم تطبع ولا يعرفها أحد من الأدباء.