إحدى العجائب عداً أن يثقفنا ... قوم ثقافتهم في أرضنا عجب
من معدن الشر ما سنوا وما شرعوا ... ومن معانيه ما خطوا وما كتبوا
في كلماته هذه صورة بالغة في الألم النفسي. وأمض ما يؤلم الشاعر الحر أن يرى الحق مهجوراً والباطل يعمل به، وآلم لديه من ذلك أن يرى ذا الباطل يتولى الحكم في الناس على أنه محق ثم يعاقب المحق على أنه مبطل.
يرى الشاعر الحر كل ذلك ثم يرى بعده أن المجتمع راض عن هذه الحكومة، أو يتجرعها على مضض وهو يستطيع أن يلفظها، فلا يلبث شاعر الإنسانية أن يقذف بركانه حجراً تفيض به نفسه شعراً.
شر العصور وفي العصور تفاوتٌ ... عصر به تتقدم الأوغاد
أنظر إلى الأعجاز كيف تصدرت ... وعمائم السادات كيف تُساد
ثم هو يقول وقد غادر وطنه العراق إلى دمشق فحن إلى الكرخ أحد أحياء بغداد:
ببغداد أشتاق الشام وها أنا ... إلى الكرخ من بغداد جم التشوق
هما وطن فرد وقد فرقوهما ... رمى الله بالتشتيت شمل المفرق
ويقول في التمدن العنصري مشيراً إلى الغرب:
يعيش سعيد مفرد بين معشر ... شقي وحيٌّ واحد بين أموات
وكم جسد فوق الأخادع شاخص ... إلى جثة تحت الاخامص ملقاة
وما الزمن الماضي بأعظم محنة ... من الحاضر الموصول بالزمن الآني
يظنون هذا العصر عصر هداية ... وأجدر أن ندعوه عصر ضلالات
فإن خرافات مضت قد تبدلت ... حقائق إلا أنها كالخرافات
تلك هي نفثات شاعر المجتمع ينظر إلى أمة بعين ملؤها الحنان وقد ضغطها ظلم القوى فأهابت بشاعرها وهو مغلول اليد فأطلق فكرة من عقال الوهم والخيال، ثم أجالها فيما يقمع الظلم ويتمشى معه إلى إصلاح شعبه. ألم تره وقد لاح له بارق أمل يتلمس في أمته روح النهضة من وراءه، يثير الهمم ويشحذ العزائم حيث يقول:
نفذ الصبر فهبت فزعاً ... وأبى السيف لها أن تضرعا
أمة خرساء كم واش وشى ... بنواديها وكم ساع سعى