صلة الشرقي بالماضي ارجعي ... لا تعودي سنداً متقطعا
جددي عهد على غازياً ... وأعيدي مالكا والنخعا
ربما وقفت من الشاعر على بيت واحد علمك أنه شاعر، فلا أريد أن أشير لك إلى هذه القطع وما فيها من روح فياضة بالألم الممض مما يسمع ويرى، ولا أن أقول لك إن الروح الفياضة بالحزن أدق شعوراً بالحياة من الروح الفياضة بالسرور، وقد عرضت لإثبات ذلك مراراً مرت بك. أجل، ولا أريد أن أرجع بك في إثبات الشاعرية لهذا المصلح العراقي الكبير، إلى ما في هذه الأبيات من دقائق وقفت بالشعور الحي أن يتجاوزها إلى ما تسمع كثيراً وتقرأ كثيراً من شعرائنا الخنع في عصر النهضة.
وإنما أريد أن تعود معي إلى تصفح هذه القطع مرة ثانية لأسألك عما تشعر وأنت تقرأ عجز المطلع الأول: همٌّ عليَّ ثقيل هذه الكتب. وعما يخلقه في نفسك حنينه وهو في الشام إلى الكرخ من بغداد؟ ثم إلى ماذا يصل بك عبث الخيال وما يأتيه من فن؟
وقد يحسب العقل الواهم أن الشاعر قلما يعمل الخيال فيما تثور معه العاطفة من شعر، وكثيراً ما يقولون: إذا ثارت العاطفة كان الشعر، غالباً، خلواً من الإبداع في الفن.
أما إن عنوا بذلك خلوه من الفن اللفظي فأنا معهم، لان توجيه الفكر إلى صناعة اللفظ يحول دون فيضان الروح بما تتأثر به من مشهد يثير فيه عاطفة ما، وإذا تأثرت الروح فليس للعاطفة أن تمهل الفكر في أعمال الخيال، ضرورة أن الإبداع فعل، وثورة النفس انفعال يجيش بركانه في الصدر فيقذف حممه.
وأما أن يريدوا خلوه من الإبداع في الفن من حيث تناوله اللفظ والمعنى معاً أو المعنى فقط فلا أراني على وفاق تام معهم لما سمعت من قوله (شر العصور الخ) إلى ما جاء في القطعتين الأخيرتين فقد يبرهن لك عن اجتماع الخيال مع العاطفة فيخرج الشعر خالد الفن بين خيال يبدع وعاطفة تثور.
هذه كلمة نسوقها تمهيداً لهذا الشعر الخالد من الشعر العبقري قبل أن يخرج ولما يزل تحت الطابع؛ وسوف نعززها بكلمات بعد خروجه تكشف عن كثير من أسرار هذا الشاعر