للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المدينة رُخِّص لهم في السفر على ترتيب قدومهم مكة الأسبق فالأسبق حتى لا يختل النظام، ويشتد الزحام، وحتى لا تضيق بهم المدينة. وكذلك يلزم زائرو المدينة. الخروج بعد ثمانية أيام ليفسحوا لغيرهم فلا يجتمع فيها إلا وفود ثمانية أيام طول الموسم

والناس في إقامتهم بمكة، وسيرهم إلى منى وعرفات، وسفرهم إلى جدة والمدينة يرتحلون بالليل والنهار آمنين مطمئنين لا يخافون على نفس ولا مال. ويظفرون بطمأنينة لا يظفرون بمثلها في البلاد الأخرى، ولا يغلو في الحق من يقول إن الأمن في بلاد الحجاز اليوم لا يظفر به إنسان في غيره من بلاد العالم. فإذا خرج الرجل الفرد يملأ جيوبه الذهب يقطع الطريق بين مكة والمدينة نهاراً وليلاً ليس معه رفيق ولا حارس لم يخش على نفسه ولا ماله، وأحاط به الأمن في يقظته ونومه وليله ونهاره. أمر لم نسمع به ولا نسمع به اليوم في قطر من أقطار العالم المتمدن أو المتوحش

وقد حدثني أحد الحجاج ونحن بمكة أنه ذهب إلى المدينة في رفقة فوقعت منهم حقيبة في الطريق ولم يشعروا بها وتعطلت السيارة في الطريق يوماً أو يومين. فلما بلغوا المدينة افتقدوا الحقيبة فأخبروا الشرطة فردتها إليهم بعد قليل. وأُخبرت أن حاجاً آخر كان يطوف بالكعبة فسقطت منه ساعة فذهب إلى الشرطة فردوها إليه. وأعرف أن طالباً من طلبة الجامعة سقطت منه ورقة بنك قيمتها جنيه في سوق مكة ولم يفتقدها إلا بعد أن رجع إلى المدرسة السعودية التي كنا ننزل بها. فلما رجع إلى السوق وجدها حيث سقطت أمام الدكان الذي كان يشتري منه. وقد تواترت الأقوال في أمثال هذه الحوادث حتى لم يبق مكان للشك فيها، وحتى اطمأن الناس فتركوا أمتعتهم الثقيلة في مساكنهم ليرجعوا إليها بعد قضاء مناسكهم ولم يجدوا حاجة إلى أخذها معهم. فنحن تركنا بعض متاعنا في جدة أمام الفندق المصري فأرسل إلينا في أيام مختلفة لم نفقد منه شيئاً وقد تأخر متاع بعض الطلبة كثيراً فقلق؛ فقلت له: ستأتي حقائبك لا محالة فإن شيئاً لا يضيع في هذه البلاد. وكان يسكن إلى قولي حيناً ثم يعتاده القلق حتى جاءت أمتعته كاملة. وأخبرني مخبر عن رجل من الذين ذهبوا إلى الحجاز أنه كان في سيارة ضاقت بأمتعة الراكبين فأخذوا حقيبة عليها اسم صاحبها وتركوها في الطريق عمداً ليتحققوا ثم طلبوها حينما بلغوا غايتهم فردت إليهم والمسافة بين مكة والمدينة زهاء ٥٠٠ كيلو كانت تقطع في أربعة عشر يوماً وقد قطعها

<<  <  ج:
ص:  >  >>