بإذنها. . . وجناية تحديد بقع ضيقة من الأرض لا يحل التعبد له إلا فيها، بعد بخور وعطور وطبول وزمور. كأنهم يستحضرون عفريتاً من الجن إلى حفلة زار!)
وقد أطلق الإسلام الدين من كل هذا الذي ألصقه به الأطفال والمجسمة والمشبهة، وجرد محيط العبادة من التماثيل، والصور والرموز، وجعل الأرض كلها مكان عبادة فأعاد الى الطبيعة قيمتها كمحراب دائم للصلاة. وجعل روح الدين في الشارع والسوق كروحه في المسجد: ففي السوق والشارع عبادة عملية، وفي المسجد عبادة نظرية هي موقف تصفية وجرد لشؤون الحياة كلها!
ولم يجعل طبقة معينة تحتكر شؤون الدين وتلبس زيا خاصا بها بل حتم على جميع معتنقيه أن يكونوا علماء به ما أمكنهم العلم، ورأى لأئمته ألا يتزيوا بزي خاص حتى لا يشعر الناس بانفصال حياة الدين عن حياة الدنيا.
ولو فهم الناس أن الدين في الشارع والسوق أهم منه في المعبد لتغير وجه الحياة وسير التاريخ، ولحت المشكلة التقليدية الموروثة المعنونة (الدين والدنيا)
من هنا يتبين لنا أن عبء المسلمين فادح وحسابهم عسير أمام الله والحق والبر بالإنسانية، لأن إهمالهم إصلاح نفوسهم وتثقيفها وإعدادها بما في الإسلام لأداء رسالته العالمية هو الذي يجر على الناس كل المشقات والمصائب والحيرة والضياع، وهو الذي يخرج من حظيرة الإيمان كل عقل غربي كبير بما يقرؤه من الفروض الفلسفية وبما يلمسه من وجوه الخلاف بين قضايا العلم وبعض نصوص دينه تهافته التي تدل أول نظرة صحيحة إليها أنها من غير المنبع الإلهي.
ومن الغريب المؤسف أن القائمين على الشيوعية أو الفوضوية مثلاً يجاهدون في سبيلها جهاداً مستميتاً لينشروها ويجعلوها دين الناس ويحسبون أنفسهم أصحاب رسالة يجب أن تتم وتشمل الأرض جميعها. . . بينما المسلمون الذين عندهم علاج كل نكبة في العقل أو في النفس أو في المال يجهلون مهمتهم ولا يؤدون رسالتهم كما كان أجدادهم الأقدمون يؤدونها ويموتون في سبيلها على ضفاف الكنج وأسوار الصين وشواطئ بحر الظلمات، وهم معتقدون أنهم يؤدون إلى الناس أعظم خدمة وأكبر منة تطيب بها نفوسهم عن اقتحام ديارهم وثل عروشهم وهدم أصنامهم الحسية والمعنوية!