وإبريقاً به ماء دافئ؛ وأشكر الشيخ على شدة عنايته باستكمال وسائل راحتي، فيقول عمي مساء، وينصرف في رداء العربي الشريف، ونظرة البدوي الشجاع.
ويحملق العبد في وجهي يسألني إذا كنت أريد شيئاً قبل أن ينصرف فأشكره وآمره أن يترك المصباح عندي على المنضدة. وسألته إذا كان لديه شمعة وعلبة ثقاب. فناولني علبة الثقاب أما الشمعة فلا توجد. وضعت الكبريت على الكرسي القريب من السرير؛ وقلت للعبد: من فضلك اخرج وأقفل باب الخيمة. فبدأ يضع الحبل في الثقوب المعدة لذلك بشكل فني، وكنت واقفة أرقب ما يعمل (وهنا تذكرت خيام الكشافة، وكل ما تعلمته من حركاتها النافعة، وأوصي كل فتاة وكل فتى أن يندمج في سلكها وقتاً ما، فإنها للحياة العملية وحياة السياحة والمخاطرات من الدرجة الأولى في الأهمية)
أوشك العبد أن يتم عمله، ولم يبق إلا ثقبان بدون توثيق، فنظر إلي من بين طرفي الباب والخيمة، بحيث لم يظهر منه إلا وجهه الأسود، بأنفه الكبير المفرطح، وعينيه اللامعتين المخيفتين، وشاربه الطويل الغزير، وظهرت أسنانه الكبيرة البيضاء ولسانه الأحمر العريض عند ما قال: عمي مساء سيدتي. قلت: عم مساء وأشكرك. وفي سري قلت:(أبغض منظرك المخيف الهائل في هذه الظلمة الحالكة، والسكون الرهيب)
وأردت أن أستوثق من أن جوانب الخيمة محبوكة، فأطمئن إلى أن كائناً ما لا يمكنه دخولها، فجلست القرفصاء أختبر ذلك. وما كان أشد جزعي، وأبعد تخيلي عما توهمت! لقد وجدت طرف الخيمة يصل إلى حافة السجاد المغطي أرض الخيمة فحسب، والهواء البارد يمر من جميع نواحيها، ويستطيع أي حيوان أليف أو متوحش، الدخول بلا أدنى عائق. فاستولى علي جزع لم أعهده في حياتي، وعبثاً أحاول إقناع نفسي بالتذرع بالشجاعة، أو باستعادة الماضي. فكم من ليال نمتها في أشباه هذه الخيمة في إنجلترا، في أجواء أردأ وأشد صقيعاً ومطراً بل وثلجا.
وإن تمح من ذاكرتي أهم الحوادث الغريبة، التي حدثت لي في بعض هذه المخاطرات، فلن تمحى الحادثة الآتية التي حدثت لي مرة ونحن نخيم في البرية في جهة من جهات إنجلترا:
اتخذنا مخيمنا وسط أرض جيدة، توسمنا أنها خير ما ظهر لناظرنا صالحا لهذا الغرض. وكنا بعيدين جداً عن السكان، وكنا كلنا طالبات فتيات، متخذات من شبابنا قوة على أعمال