الكشف والتقشف. وبعد جهاد يوم شاق من الصباح الباكر إلى المساء المتأخر، أخذنا عدتنا للنوم، فدخلت كل منا في كيس نومها الذي يغطي جميع أجزاء جسمها، وتربط طرفه الأعلى حول عنقها، فلا يكون غير الوجه ظاهراً، ويغطي بغطاء خفيف يمنع الحشرات ويسمح للتنفس.
على بركة الله افترشنا الأرض والتحفنا الخيمة؛ وما كدت أسلم جفني للكرى حتى شعرت بحركة غريبة تحت جنبي، فقلت لعلني أنام على جنبي الأيسر، مما سبب للقلب قلقاً، فانقلبت على الجانب الأيمن، ولكن الحركة استمرت، بل زادت شدة، فجمد الدم في عروقي، وهدأت حركتي قسراً، إذ تصورت أن عفريتاً تحت الأرض، كأنما يقصد أن يشق بطن الأرض فيخرج منها، ويتخذ جسمي بديلا. وخطرت ببالي جميع خرافات الجن والشياطين والأرواح، وعقد الخوف لساني، فلم أستطع الاستغاثة بصديقاتي، ولا أملك تحريك أطرافي فأدفع عن نفسي ذلك العفريت الأرضي.
ولما اشتدت حركات العفريت وعنفت صرخت مستغيثة كمن أصابه مس مؤكد. فهرعت إليّ الطالبات، يستفسرن الخبر فأخبرتهن، فقالت واحدة: أسرعي (درثي) أحضري الكيس، وصاحت أخرى:(نللي) أحضري حبلا، وأسرعت ثالثة ورابعة بأيديهما سكين ومسدس، وتصورت أن الجني قد أتت ساعته، وحان حينه، وأني كنت على حق فيما أحسست، وحمدت الله على أني لم أكن مدعية، وبدأت أنشط مع الجماعة لأنتقم لنفسي من ذلك الشرير الذي طالما اختفى، وها قد حان الوقت لرؤيته وكشف سر العفريت كلها بعد كشف حاله.
وضعت الفتيات الكيس مقلوباً على المكان الذي تصورنا أن العفريت سيخرج منه، بحيث انسجمت فتحة الكيس على الموضع تماماً، واجتمعت الأيدي على تثبيتها بحيث لا يستطيع فكاكا.
وتوجهت همة الفتيات كلها إلى القبض عليه في الكيس حتما.
وأخيراً وبعد جهد شاق، قفزت عفاريت ثلاثة من باطن الأرض إلى داخل الكيس المتين، ثم انتهت الحركة في باطن الأرض، فقبضت الطالبات على فتحته، وبدأن يذبحن الشياطين الكفرة! قاتل الله الأرانب البرية! لقد كان شكلها جميلاً وطعمها لذيذاً، ولكن فعلتها كانت