والتبيين، وعلى الرغم من أن ابن خلدون انتقد المدارس السابقة في تعريفها للشعر، استمرت عند فكرتها، ولم تحاول أن تعتق نفسها من رق هذا الخطأ، ولا أن تطلق عقولها من أغلال هذا التقصير.
والأمر في تعريف الغربيين للشعر على خلاف هذا، ولنلم بطرف من تعاريفهم، ولعله يلقي على الموضوع أشعة توضحه، يقول مستر بلوك: إنه لا يمكن تعريف الشعر بشيء سوى السحر، وكان أجدر به أن يعدل في كلامه فيقول إنه لا يمكن تشبيه الشعر بشيء سوى السحر، ومهما يكن فتعريفه لا يعطينا شيئاً أكثر من فكرة أولية لا تقبل التحليل، وقال مستر تيفر: إن كلمة الشعر ككلمة الجمال من الكلمات المبهمة التي تشمل مجموعة من الأشياء المختلفة تمام الاختلاف بالنسبة لاختلاف المنتجين، وانتهى إلى أنه يمكن تعريف الشعر بأكثر من هذا التعريف الرديء لمعاجم اللغة، واعترف مستر لمبورن بأنه لا يمكن تعريف الشعر إلا إذا عرفنا الحياة والحب، اللذين يترجم عنهما.
وهكذا نجد النقاد من الإنجليز مضطربين أمام تعريف كلمة الشعر، فبعضهم يعرفها تعريفاً ناقصاً، وبعضهم يعرفها تعريفاً مبهماً، ويحجم كثير عن تعريفها لأنه لا يمكن تعريفها، أو لأنها ككلمة الجمال لا يمكن تحديدها، وبمعنى أوضح لأن الشعر عمل فني، وكأنما كتب على كل عمل فني ألا تحيط به التعاريف إحاطة تامة، وأياً كان فكلمة الشعر تعني شيئاً موجوداً أمامنا، يشرح خواطرنا، ويخاطب قلوبنا، ويؤثر في نفوسنا تأثيراً جميلاً، وإذا كنا لا نستطيع أن نحدد الشعر تحديداً تاماً يبين ماهيته فليس من العسير أن نقف على أساسه، ولعل أقدم من تكلم في هذا الموضوع كلاماً مستفيضاً هو أرسطو فقد قال: إن الابتكار أساس الشعر، فالشعر عنده صورة مخترعة يخلقها الشاعر بقوة خياله، والوزن عنده شيء إضافي يلحق بالصورة حين يتم خلقها في قلب الشاعر، وماذا؟ أيخترع الشعراء الأوزان التي ينظمون عليها كلامهم؟! وهل يخلق الشعراء الألفاظ التي يوقعون عليها نغمات عواطفهم؟ إن الوزن واللفظ ملك للغة، ليس لأحد أن يدعي شيئاً منهما لنفسه وإنما الذي يستطيع الشاعر أن يعزوه إلى نفسه فيصدق هو الصورة الطريفة التي يبتدعها، وهذه النظرية جميلة في ظاهرها، ولكنها ليست دقيقة كل الدقة، وعلى الرغم مما يظهر فيها من المغالاة في تقدير الشعر استمرت محتلة أفكار النقاد مدداً طويلة، حتى جاء المؤرخ اليوناني