أما واضع القصة ومؤلفها فهو (جورج برناردشو) وهو في الأدب الإنجليزي من أكبر شخصياته إن لم نقل أكبرها في القرن العشرين، وفي أحقاب خلت. . . والقوم هناك يقدسونه إلى حد كبير، فلن تجد بينهم اسماً في عالم الأدب والسياسة ترهف له الآذان كاسمه، ولا جدلاً يهرع الناس لحضوره كجدله، ولا لساناً أقذع في النقاش وألذع في الجواب كلسانه، ولا فكاهة تنم عن صاحبها كفكاهته، فهو شخصية قوية، وعبقرية متميزة بكثير من المواهب، وإن له في فن القصة آيات بينات.
وأما المترجم فهو رجل درس العلم، واتصل بالأدب، وعالج الترجمة، فأكسبه العلم الدقة في الأسلوب، والتعقل في الاختيار، وأفاده الأدب السلامة في التعبير، والأناقة في اللفظ، وكان له من علاج الترجمة خير مران مكنه في هذه الناحية وثبت قدمه، فهو أمين في نقل غرض المؤلف، فطن في فهم إشاراته ومراميه، واضح في التعبير عن ذلك كل الوضوح. وتلك درجة قل في المترجمين من يبلغها، وهي الفرق بين ترجمة وترجمة. . . وهي التي تثبت شخصية المترجم فيما ينقل، وأنا إذ أقول سلامة التعبير، فأنا أشهد بأن المترجم قد بلغ في ذلك الغاية، فقد قرأت الرواية وأنا أراقب الرجل في أسلوبه، وحاولت جاهداً أن أحصي عليه، فلم أقع إلا على (أصواتها الداوية ص٧١)، (كلما داهمهم ص٢٣٤)(نقص نضوجها ص٢٦٨). على أن تلك من الأخطاء الشائعة في الألسن والأقلام، فقليل في الأدباء من يفطن إلى الصواب في ذلك فيقول:(مدوية. ودهمهم. والنضج). على أن الأخيرة مما يصح في القياس وإن تثبت في السماع.
ولقد كثرت الترجمة في هذه الأيام، وملأت فجاج الأرض وزادت على حاجة القراء خصوصاً في الأدب الروائي، ولكنها في الواقع ترجمة مبتذلة، لا تتصل بفن، ولا تقوم على وضع ولا تزيد في الثروة الأدبية ولكنها نقص وتدهور، فهي لا تعنى إلا بالقصص الداعر، والغراميات الحيوانية، وحوادث الإجرام واللصوصية، والسفك والانتحار، وكل ما هو على الأخلاق وقلب للأوضاع، واستهانة بالتقاليد. أما الترجمة القويمة التي نحن في أشد الحاجة إليها لتنهض بنا في مناحي العقل والتفكير والشعور والإحساس والحب والعطف والخير والكمال فذلك عندنا شيء قليل نادر كالكبريت الأحمر، وما ترجمة (جان درك) إلا من هذا الشيء القليل النادر، المفيد النافع، فهي ليست من القصص الفارغ الذي يطلبه