للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القارئ لقتل الوقت وتزجية الفراغ، ولكنها أثر أدبي جليل حي بموضوعه وبفنه، فترجمتها إلى العربية يد جليلة وفكرة رشيدة قد أسداها الدكتور الفاضل إلى اللغة العربية والفكرة العربية

وقد تقول: إن قصة (جان) أليمة في وقائعها قاسية على العواطف بفجائعها، وأنا أقول: أجل ولكنها مع ذلك سائغة محتملة بالفكاهة الطريفة والنكتة المستملحة، والنادرة الساخرة، والبادرة البارعة، يحرص (شو) على ذلك في كل مواقف الرواية وحوادثها، وناهيك بفكاهة (شو) وبراعته في ذلك، ولقد زاد في قوة الرواية الفنية تلك الحياة التي خلقها (شو) في كل أشخاصها فكل منهم متحرك في عمله، وكل منهم ظاهر بنفسه في تأدية دوره، فلا ظهور لشخص على حساب شخص معطل كما يفعل ذلك كثير من القصصيين، ولا نبو ولا شذوذ ولا إغراق كما صنع مارك توين في قصته عن (جان) ولكنها الحوادث تجري على الوضع الطبيعي، وتستقر على النهج المألوف

ومما يزيد في قيمة الرواية ويرفعها تلك المقدمة الحافلة التي تناول فيها المؤلف شخصية (جان درك) الغريبة، فنظر إليها من جميع جهاتها، وأبدى رأيه صريحاً في كل مظهر من مظاهرها وقارن بينها وبين الأشخاص الذين هم على شاكلتها، وأنت تعلم أن جان فرنسية، وشو إنجليزي، وجان كاثوليكية، وشو نشأ في بيئة بروتستنتية، وجان روحانية في تفكيرها وفي آرائها، وشو رجل يحترم عقله ويقدس العلم والفكر الحديث، ولكنه فيما كتبه عن جان وضع الحق فوق كل اعتبار فكان حراً صريحاً، وكان باحثا مخلصاً ينظر إلى الواقع بعقله وقلبه وروحه وشعوره وعلمه وخبرته، وقد استعرض (شو) أقوال الكتاب والروائيين الذين كتبوا عن (جان) من قلبه، فانتقد ما فيها من التهافت والإغراق، وحاول أن يظهر جان في شخصيتها الطبيعية مرتفعاً بها عن المبالغات قوم قدسوها فطاروا بها إلى مسبح الأفلاك، وتحامل قوم حقروها فانحطوا بها إلى مجرى الأسماك، وعندما يقف عقل (شو) فلا يجد له منفذاً للتأويل والتخريج تجد الرجل لا يواري ولا يداري ولكنه يصارحك بالحقيقة التي في نفسه كما يقول وهو يتحدث عن أصوات جان وأطيافها: إن العقيدة تتحصل للإنسان فيما تتحصل من أنماط عيشه وعادات بيته، فأما أنماط عيشي ففكتورية، وأما عادات بيتي فبروتستنتية، فمن أجل عاداتي وأنماطي هذه أجدني عاجزاً عن التملص من نفسي لأحكم

<<  <  ج:
ص:  >  >>