البلاغ بأني أقدم إليه محصولاً أدبياً ينقل القراء من حال إلى أحوال، فقد كان الأستاذ عبد القادر حمزة اشتهر بين أصحاب الجرائد بأنه يحسن الاعتذار إلى من يريد الاستغناء عنهم من المحررين والمخبرين والمراسلين؛ وكنت جربت اعتذاراته الرقيقة قبل ذلك حين كنت أحرر في البلاغ الأسبوعي سنة ١٩٢٦. ولكن اعتذاراته في ذلك الوقت لم تكن تؤذيني لأني كنت مدرساً في الجامعة المصرية، وكنت بفضل تلك الوظيفة من المياسير.
ماذا أصنع في مراسلة البلاغ من باريس؟
كنت أستطيع أن أرسل إليه مقالات في الأدب العربي، وأنا من أقطابه بلا جدال، ولكن إرسال مقالات عن الأدب العربي من باريس كان ضرباً من السخف يقترفه من يراسل البلاغ من باريس. وهل يعيش الأديب في باريس ليحدث الناس عن ابن المقفع وابن العميد؟!.
ماذا أصنع؟ ماذا أصنع لأنجو من تسلُّم خطاب رقيق من خطابات الاعتذار التي يجيدها صاحب البلاغ؟ ماذا أصنع لأظفر بخمسة عشر جنيهاً أضيفها إلى المبالغ الضئيلة التي أكسبها من الدروس الخصوصية التي أعطيها للطلبة الضعاف في اللغة الفرنسية من أعضاء البعثات، والنقود التافهة التي آخذها في مقابل المساعدة التي أؤديها لبعض المستشرقين الذين يهمهم أن ينقلوا النصوص العربية إلى اللغة الفرنسية؟
ماذا أصنع؟ ماذا أصنع؟
لم يكن أمامي إلا مسلكٌ واحد: هو الاندماج المطلق في باريس لأحدث قراء البلاغ بأحاديث منتزعة من الحياة الواقعية في باريس.
وما هي إلا أسابيع حتى عرف صاحب البلاغ أنه لن إلى رجل مثلي خطاب اعتذار، وحتى عرف قراء البلاغ أني أحدثهم بما لم يألفوه، وأن البلاغ لن يستغني أبداً عن صاحب (الحديث ذو شجون).
ولكن الانتصار في هذا الميدان له تكاليف
كان لا بد من الاتصال الدائم بأساتذة السوربون ومدرسة اللغات الشرقية لأظفر بما تساميت إليه من الألقاب العلمية
وكان لا بد من معاقرة الحياة في باريس لأنجح في مراسلة البلاغ