الأسلحة والذخيرة في بلادها، وبناؤها أسطولاً جوياً هائلاً، فلم يردها الحلفاء السابقون والحاليون عن هذه الأعمال، ثم احتلالها لمنطقة الرين التي تقضي معاهدة فرساي ببقائها مجردة من كل صبغة عسكرية. فلم تتخذ الدول المتعاقدة في لوكارنو الإجراءات العسكرية التي تقضي بها معاهدة لوكارنو لإعادة منطقة الرين إلى حالتها السابقة، ثم ضمت ألمانيا دولة قديمة برمتها إليها، فلم تحرك الدول ساكناً
أما عصبة الأمم فلم تأت بعمل فعال ضد الإجراءات الألمانية، كما أنها لم تنفذ قانونها حين احتلال منشوريا، والحرب الحبشية، والحرب الأسبانية، والحرب الصينية. تلك الحروب التي هي وليدة أنانية الدول الكبرى، وضعف عصبة الأمم المستعمرة ووجود الضمان المشترك بين طيات الأوراق فقط.
وتلا هذه الأزمات والحروب الأزمة التشيكوسلوفاكية. وبعد محادثات اتفقت فرنسا وبريطانيا العظمى على حل النزاع الألماني التشيكوسلوفاكي عن طريق سلمي، فعقد مؤتمر مونيخ وسلمت بريطانيا وفرنسا فيه بمطالب الهر هتلر، وخرج زعيم ألمانيا منه منتصراً من غير حرب.
في مونيخ تم هدم ما بنت السياسة الفرنسية خلال العشرين سنة الفائتة. واتفاق مونيخ كان (ضربة الرحمة)(أي الضربة القاضية) لعصبة الأمم ولمبدأ الضمان المشترك. إذ في مونيخ مزقت تشيكوسلوفاكيا دون أن تعلم عصبة الأمم بذلك، ودون أن يأتي أحد من حلفائها لنجدتها، حتى أن والدتها وافقت على هذا التمزيق.
وتمزيق تشيكوسلوفاكيا أزال قوتها العسكرية والدولية. إذ خسرت تشيكوسلوفاكيا ما يزيد على أربعة ملايين من سكانها وفقدت حصونها وقلاعها التي وضعت فيها قوتها وأموالها كما أنها فقدت أيضاً كثيراً من مواردها الاقتصادية، وأصبحت تحت رحمة جارتها القوية.
أما نفوذها الدولي فقد زال، لزوال مصادره، إذ كانت تشيكوسلوفاكيا تستمد قوتها الدولية من تحالفها مع فرنسا والروسيا ودول التحالف الصغير. فجاء اتفاق مونيخ فألغى تحالفها مع فرنسا والروسيا، وأبطل عملياً وجود التحالف الصغير. لأن دول هذا التحالف لم تأت بحركة قبل مؤتمر مونيخ للدلالة على وجود التحالف. وهي بالطبع لا تستطيع وضع تحالفها موضع العمل بعد اتفاق مونيخ الذي سلمت فيه الدول الكبرى لمشيئة الهر هتلر.