ولكن أحداً من هؤلاء لم يفكر في العلة الحقيقية لانهيار المسرح المصري وسقوط الفيلم المصري. . . العلة هي التأليف ولا شيء غيره. فالممثلون الناجحون موجودون في مصر والمخرجون البارعون موجودون في مصر، وجمهور المتفرجين موجود في مصر ولكن هناك عنصراً واحداً يكمل هذه العناصر بل يوجهها غير موجود. . . هو التأليف.
وليس معنى هذا أن مصر بلد لا ينجب المؤلفين، فالمؤلفون موجودون ولكن كأن لا وجود لهم. . . لدينا مؤلفون موهوبون في طوقهم أن يسدوا حاجة المسرح وزيادة، وهم مع الأسف يجافون التأليف وينصرفون إلى غيره من شئون القلم لأن التأليف فن ظلمه المتصرفون في أمره ولم يقدروه قدره أو بعض قدره فأصبح كالصناعة الآلية التي لا يقودها الإبداع الفني.
أصحاب الشركات السينمائية المصرية ومديروها يريدون من المؤلف أن يكتب الرواية الكاملة دون أن يأخذ ثمناً وحسبه أن يظهر أسمه على الشاشة ففي ذلك ما يكفل له الطعام وكل لوازم الحياة. . . وإلا فليأخذ بضعة جنيهات ولا لزوم لاسمه ولينسب تأليف الرواية إلى مدير الشركة أو مخرجها. . .
وأصحاب الفرق المسرحية يدعون لأنفسهم القدرة على التأليف فإذا ما قدم مؤلف رواية إلى أحدهم ردها إليه بعد أن يلمَّ بأطراف فكرتها ليكتبها بعد ذلك كيفما اتفق. . .
فلماذا إذن يؤلف المؤلف الموهوب؟ وأين ما يغريه ويشجعه على التأليف؟ إن اعتزازه بفنه يأبى عليه أن يؤلف ليكون هذا مصير ما يؤلفه، ومن هنا تتحطم الأقلام وتنزوي المواهب تاركة الميدان - إذا كان هناك ثمة ميدان - لقوم صناعيين لا يكلفهم التأليف عناء الموهبة وشقاء الفن، فهم يكتبون ويبيعون غير آسفين على بضاعتهم لأنهم كتبوا بعقولهم لا بأرواحهم.
أولئك هم الذين يسمّون اليوم بالمؤلفين وبكبار المؤلفين ولا أقصد بالمؤلفين هؤلاء النفر الذين يؤلفون (للصالات) فليس هذا تأليفاً وإنما هو هراء قوامه النكتة البذيئة والكلمة الجارحة والوضع المقلوب. اللهم إلا القليل منه. . .
وبين هؤلاء الذين يكتبون للمراقص كتابة صبيانية، وأولئك الذين يكتبون للسينما والمسرح