الأفواه ومهزلة للسامرين؛ فهي من ثم مضعف لسلطانه ومجرئ على مقامة ومحرض على الثورة والانتقاض.
هي بلسم للمظلومين فهي مقبولة
وهي سلاح للمظلومين فهي مرهوبة
فماذا يحسن بالحاكم المستبد أن يصنع مع هؤلاء المازحين؟
ليس لهذا السؤال جواب فاصل فيما أحسب، ولكني أقرر الحقيقة إذا قلت إن المحكومين لا يحاربون الظلم بالفكاهات والنكات إلا إذا كان للصبر بقية، وفي قوس الاحتمال منزع كما يقولون، وإن الحاكمين لا يتسمحون في قبول الفكاهات والنكات إلا إذا كان للقوة بقية وللثقة بدوام السلطان مجال فسيح.
أما إذا ضاقت الصدور ونفذت الحيل فالمحكومون لا يعتصمون بالفكاهة والتنكيت بل يغضبون ويثورون.
وكذاك إذا ضاعت ثقة الحاكم بدوام سلطانه لم يصبر على السخرية والمزاح، وعالج الحجر عليها عسى أن يستعيد شيئاً من المهابة والامتناع.
وبعد هذا وذاك يجب علينا أن نفرق بين الفكاهات، وأن نفرق كذلك بين الطبائع التي تتخذها وسيلة لحرب الحكومات.
فالفكاهة التي قوامها تلفيق الجناسات اللفظية والملاحظات الشكلية لا تخيف أحداً من العقلاء. أما الفكاهة المخيفة حقاً فهي تلك التي تنفذ إلى العظم وتسري إلى قرارة الأمور، ولا ينطبع على هذه الفكاهة إلا أناس يعملون حين يتفكهون، ويجترئون حين يسخرون.