للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

أمر بتسريحه وشدد على رجاله أن يتلطفوا إلى الناس غاية التلطف لينسوهم فظاعة ماضيه.

إلا أن الفلاحين المساكين لم يسمعوا بهذا الذي أشاعه الظرفاء البلديون، فبينما كانت طائفة منهم في مركبة كبيرة إذ عطس أحدهم عطسة عنيفة سمعها من في الطريق، فأطل واحد من رجال مكتب الاستطلاع في المركبة وسأل: من الذي عطس هذه العطسة؟

فاضطرب الركب وسرى فيهم الرعب وطفقوا يلكزون العاطس المتواري أن يبرز نفسه ويحمل وحده وزر عمله ولا يجور على أصحابه جميعاً بجريرة عطاسه، فلم يسع الرجل إلا أن يعترف بالحقيقة ويقول في كثير من الوجل والتلعثم: أنا. . .!

قال الراوي: فانحنى مندوب مكتب الاستطلاع تنفيذا لأمر الزعيم ستالين وقال: يرحمك الله!

ويروي الظرفاء الروسيون أن طوفاناً من السباب والتبكيت والتعزير سمع ذات يوم في الحجرة المجاورة لمكتب الرفيق ستالين. فانتظر الحجاب حتى يفرغ الزعيم من حديثه، ثم فتحوا الباب ليسحبوا منه الرجل المنكود الذي وقعت على رأسه كل هذه الشتائم والمقذعات، فما راعهم إلا أن يبصروا المكتب خالياً وليس فيه أحد غير الزعيم.

- أين الرجل المنكود الذي كنت تشتمه؟

- فأجاب الزعيم: أنا هو. . . وقد فرغت الساعة من حصة المناجاة!

عرضت هذه النوادر و (القفشات) وعرضت معها نوادر المصريين وقفشاتهم للرومان والترك وقره قوش وسائر الحاكمين الذين نالوا من المصريين بالقسوة، ونال منهم المصريون بالنكتة، فورد على خاطري هذا السؤال العجيب: لو كنت حاكماً طاغياً ماذا أصنع لهؤلاء الساخرين؟ هل أطلق لهم العنان يرسلون النكات والقفشات حيث يشاءون؟ أو أحسب حساباً لعواقب هذه النكات والقفشات فاحجر على أصحابها ومذيعيها وأتعقبهم بالمصادرة والجزاء؟

إن النكتة تلطف وطأة الظلم وتوهم المظلوم أنه ينتقم لنفسه بعض الانتقام فتهوّن عليه الشدائد وتروضه على الصبر والانتظار، فهي من ثم معين للحكام على المحكومين.

إلا أن النكتة قد تزري بالمهابة وتعصف بالرهبة وتجعل الحاكم المخيف أضحوكة في

<<  <  ج:
ص:  >  >>