المدينة كلها بالسواني. ترى بكرات على البئر معلقة بها غروب كبيرة وتجر حبالها الدواب من الإبل أو البقر أو الحمير. وقد تجتمع الثلاثة معاً، تسير الدابة نحو البئر فيتدلى الغرب حتى يمتلئ ثم ترجع البئر حتى يرتفع الغرب. فإذا علا الحوض جذبته الحبال فينصب ماؤه في الحوض، فمسير الدابة أو السانية في طريق مستقيمة ذهاباً وجيئة.
والمدينة جيدة الهواء في الصيف معتدلة في الشتاء، وأرضها خصبة وآبارها غزيرة وبساتينها كثيرة، وفيها النخل والكرم والرمان والبرتقال والخوخ والموز والبطيخ وفواكه أخرى. وثمرها جيد جداً وأصنافه لا تعد.
ولكن الأرض في وقتنا هذا ليست مستغلة كل الاستغلال، ولا تفي بحاجات أهلها، ويعيش كثير منهم على التجارة، ويعوِّل فقراؤهم على جدوى المسلمين
ويظهر على دور المدينة وساحاتها الفقر. وفي ذمة المسلمين أن يبروا جيران رسول الله وأن يعمروا دار رسول الله. عليهم أن يغدقوا الخيرات، ويمدوا أيديهم للأعمال الدائمة المنظمة من بناء المستشفيات والملاجئ والمصانع والمدارس. وظني إذا استثمرت أموال المسلمين في أرض المدينة وغلاتها، زادت خيراتها أضعافاً مضاعفة ووفت بحاجات سكانها أو كادت.
إن الحرم المدني والمدينة كلها أهلها ودورها ومساجدها وطرقها وساحاتها، كل أولئك يدعو المسلمين إلى التعاون على الخير والاجتماع على العمل الصالح الذي يجعل طيبة بلداً معموراً آهلاً، منسّق الدور والطرق، ميسّر الطعام والشراب، موفور وسائل الصحة والعمل الصالح الذي يجعلها مباءة علم يؤمها بعض الطلاب من أرجاء الأقطار الإسلامية لتؤلف بينهم الثقافة الإسلامية المشتركة، أو تحفزهم إلى خير الإسلام والمسلمين الآراء المتداولة، ويدرسوا تاريخ الإسلام في مواقعه. وليت المدينة تصير مقصد المسلمين من أقطار الأرض يفرون إليها في الحين بعد الحين ليجدوا سلام أنفسهم وطمأنينة قلوبهم وصحة أبدانهم، فيذهب إليها أغنياؤهم وأمراؤهم كلما ملكوا الفرصة للاستراحة قليلاً من ضوضاء الحياة ومفاسدها
لن يبر المسلمون دينهم ورسولهم وأنفسهم حتى تسخو أيديهم بالمال وتجتمع عقولهم وأعمالهم على الإصلاح. والله يهيئ لهم من أمرهم رشداً ويديهم للتي هي أقوم.