وجه صاحبه بكل ما فيه من عيوب، لأن المصريين اعتقدوا بخلود الروح والحياة الأخرى، كما اعتقدوا أن الروح تزور جثتها. ولذلك وجب حفظها بالتحنيط، وزيادة في الاحتياط رأى المصري القديم أن يلجأ إلى مادة أصلب وأقوى على مقاومة الدهر وعبث الأيدي بدلاً من جثته الهشة فنحت التماثيل لتزورها الروح إذا فقدت الجثة أو تلفت. ولذلك وجب أن تكون الصورة صورة أصلية من صاحبها حتى لا تضل الروح عنها إذا أرادت زيارتها.
وكثرة هذه التماثيل أو قلتها ترجع لسطوة الميت وغناه؛ ففي مقبرة (رع ور) مثلاً وجدت بقايا ١٢٠ تمثالاً. ويلاحظ أن تماثيل الأغنياء كانت دائماً تمثل الترف بأجلى صوره، فإذا كانت لصانع دقق الفنان في إبراز التفاصيل فيبدو كل شيء على طبيعته. فترى آثار الجهد على وجه الخباز أو العجان حتى أصبحت تلك التماثيل قطعاً حية تقود الفنان الحديث.
زيارة الأحياء للموتى
وليست زيارة الأحياء للموتى بنت اليوم، ففي مقبرة الكاهن (فيفي) سرداب به حجرة لها نافذة صغيرة أعدت ليطل منها الناس فيرون تمثال الكاهن وإلى جانبيه زوجته وابنه وابنته فترى في عينيه نظرة الاطمئنان وكأنه ينظر إليك. كما ترى جلد الذكور ملوناً بلون أحمر بينما جلد الإناث أبيض. وحتى الملابس والعقود لم ينس المثال أن يصبغها بألوانها الطبيعية التي مازالت ثابتة حتى الآن. فإذا زرت التمثال فقد زرت أصحابه. وليست هذه المقبرة هي الفريدة في نوعها بل إن الحفريات كشفت عن ثلاث مقابر بها هذه الظاهرة
ومن كشف مقابر الأشراف في تلك المنطقة عرفنا كثيراً من عادات القدماء وحياتهم الاجتماعية من سمر وغناء ورقص، ففي مقبرة (كاجوا) كاهن الملك خفرع نجد (أوركسترا) كاملاً مكوناً من ستة أزواج من الموسيقيين، ويتكون كل زوج من شخص يلعب على آلة موسيقية كالمزمار أو الناي أو القيثار وشخص آخر يصفق له تلك التصفيقة التي مازلنا حتى الآن نصفقها إذا حركت إحساسنا أوتار الموسيقى البلدية
ولأول مرة نجد فوجين من الراقصين والراقصات تتوسطهم راقصة عارية، وهي ظاهرة لم تعرف من قبل النقوش الفرعونية. وهكذا لم يترك الفراعنة شيئاً إلا وضعوا هم بذوره ليتبعهم العالم الحديث في جده ولهوه.
ولم يكن كشف هذه الآثار والوصول إلى هذه الحقائق من الأمور الهينة فقد احتاج إلى