فإذا ما وصل إلى منبع النهر تكون الغدد التناسلية قد تم نضجها فتبيض الأنثى عدداً عظيماً من البيض ثم يلقح الذكر البيض وبذا يتم إخصابه.
وبعد ثلاثة أشهر يفقس البيض يرقات تتطور وتنمو كل واحدة منها إلى سمكة صغيرة تعيش في مكان أبويها مدة تقرب من السنتين ثم تهاجر من مكانها من النهر إلى المحيط حيث كان مقر أبويها من قبل وهي تسلك في ذلك نفس الطريق الذي سلكه الأبوان في رحلتهما الأولى
تلك كلمة موجزة عن رحلة بعض أنواع السمك، يتساءل الإنسان بعدها ما الحكمة أو ما الدافع الذي يحدو هذه الحيوانات أن تترك موطنها وتهاجر في رحلة شاقة معرضة لأشد الأخطار وكان الأحرى بها أن تبقى حيث نشأت فتتناسل وتتكاثر في أمان.
لم يعثر العلم بعد على تفسيرات شافية لهذه التنقلات العجيبة، وكل فرض قيل في هذا الباب هو من قبيل التخمين ليس إلا؛ فلا زال الإنسان يعترف بجهله أمام هذه الظاهرة الغريبة، إلا أن العلم قد أثبت بصفة لا تحتمل الشك أن هذه الهجرة صفة وراثية يكتسبها الأبناء عن الآباء، يدل على ذلك أنه عند قيام الثعابين السمك الأمريكية التامة النمو بسياحتها من الأنهار إلى المحيط فإن يرقاتها لا ترجع إلا إلى الأنهار الأمريكية التي تربى فيها أبواها فلا يوجد ثعبان السمك الأمريكي في أنهار أوربا ولا في أنهار أفريقيا؛ وكذلك الحال مع الثعبان الأوربي والأفريقي، كل يسلك سبيلاً مرسوماً لا يحيد عنه قيد أنملة، هو السبيل الذي سلكه أبواه من قبل.