ألفاظه، واضح في معانيه، ففي مكنة كل إنسان أن يتولى بسطه، وأن يؤدي شرحه. والواقع أن العناء ليس في الشرح والبسط، وإنما العناء في النهج الذي نهجه الزين. ذلك لأن شعر صبري دقيق اللفظ، مستفيض المعنى، كثير الإشارات، بعيد المرامي، فكان لابد في شرحه من طول اللفظ واتساع التعبير حتى يمكن أن يستوفي ما فيه، ولكن الزين وقف عند قولهم (البلاغة الإيجاز) فهو يؤدي ما في البيت من معنى كبير بلفظ موجز مونق، قد لا يتجاوز به ألفاظ البيت في كثير من الأحيان، ومن هنا كان العناء الذي لا يضطلع بعبئه إلا الزين، لأنه كما قلنا يفهم صبري حق الفهم، ولأنه قد حذق ذلك بالتدريب والمران.
والديوان مصدر بمقدمات: الأولى للدكتور طه حسين وقد ضمنها رأيه في شعر صبري ومميزاته؛ والثانية للأستاذ أحمد أمين وصف فيها (شعوره بشعر الشاعر وتذوقه لأدبه)؛ والثالثة للأستاذ أنطون الجميل عن (العوامل الشعرية في نظم إسماعيل صبري)؛ والرابعة للأستاذ الزين نفسه، وقد تكلم فيها عن أخلاق الشاعر ووطنيته وشاعريته وما اتبعه في تصحيح ديوانه. وإنما جمع الأستاذ بين كل هذه المقدمات لأنه - كما يقول - أراد أن يجمع للقارئ بين الاستفادة من شعره، وتلك الدراسة الواسعة المستوعبة لكثير من نواحيه. وأنا شخصيّاً لا يهمني كثيراً ما كتبه أولئك الأساتذة عن صبري الشاعر، فإن شعر الرجل خير من يفصح عنه ويدل عليه، وإن ميزات الرجل في شعره لواضحة جلية لا يختلف في تقديرها أحد، كما لم يختلف في تقديرها الأساتذة الفضلاء، ولكني لا شك معجب بما كتبه الزين عن صبري الرجل، وما ذكره من أخلاقه ووطنيته، ويا حبذا لو مدّ القول في ذلك فرسم لنا صورة كاملة لشخصية صبري تقوم إلى جانب شاعريته الكاملة، فإن فهم شخصية الشاعر أساس لفهم شاعريته، وعلى هذا تقوم الدراسات الحديثة، والمناهج الرشيدة عند علماء النقد.
وأما بعد، فإذا كان شعر صبري آية الجمال في تصوير الجمال، فإن ديوانه قد خرج للناس آية الكمال في تقدير الكمال، فهو كالروض الأنف جمع أطيب الزهر، وتم له جمال الموقع وبهاء التنسيق، وما أحسبه يقل في تنسيقه وترتيبه عن ديوان حافظ الذي تولته وزارة المعارف، ولا عن ديوان شوقي الذي خرج برعايته، بل إني لأراه يفوقهما روعة ودقة. وإنه لجهد مشكور ذلك الذي أداه الأستاذ الزين في خدمة هذا الديوان، ولو قدر لصبري أن