وهذا يدل على أن (كلمات الحياة العامة) هي أول ما يتشوّف إليه الجمهور من نتائج أعمال المجمع. لأن اللغة اليومية أصبحت قطعةً من حياته وجزءاً من عقليته. فلا جرم أن يكون إصلاحُ هذه اللغة وتقويمُ اعوجاجها مثَلَه الأعلى وموضع رغبته المُلحَّة على اختلاف الطبقات:
من طلاب المدارس الذين أضربوا منذ أشهر وكان من جملة شروط الرجوع عن إضرابهم أن تدخل اللغة العربية في البنوك الأجنبية كما أشار إلى ذلك بعض الصحف اليومية
- إلى رجال الصحافة الذين قال أحدهم في (رسالته): (تريد اللغة العربية من أولياء العهد الجديد أن تأخذ مكانها الشرعي في المحاكم المختلطة، وأن تُطَّهر من شوائب العُجمة في الدواوين والقوانين والجيش)
- إلى طبقة التجار والمستبضعين الذين كان تَعَرَّض لي أحدهم في الشارع وسألني أن أتوسط المجمع في وضع كلمة عربية تقوم مقام كلمة (مانيكور الفرنسية ويراد بها علبة تتضمن مجموعة أدوات تُسَوَّى بها الأظفار وتجمَّل. فلم أوفق إلى إجابة سؤله واستمهلته ريثما يأتي دور هذه الكلمة في (كلمات الشئون العامة) التي يضعها المجمع. أجبته بهذا وأنا خجِلٌ وكأنني أسمعه يقول لي: إلى أن يأتي دور هذه الكلمة تكون تغلغلت في لغتنا، ومَرِنت عليها ألسنةُ زبائننا والمستَخْدمين في مخازننا، فيصعب إذ ذاك تطهير اللغة منها. هكذا تخيَّلته يقول لي. ومازلت أتحين الفرص للعود إلى الحديث مع المجمع في هذا الموضوع حتى كلَّفتني إدارته أخيراً تهيئة اقتراح أقدمه إليه في جملة الاقتراحات التي طلبت من الأعضاء
فقلت: ها قد سنحت الفرصة لاستمالة نظر الإخوان إلى هذه المسألة التي إذا قضوا فيها أمراً كان قضاؤهم مؤدياً إلى إصلاح اللغة اليومية. وهو ما يرغب فيه الجمهور بأشد من رغبته في أعمال المجمع الأخرى: فإن المصطلحات الفنية التدريسية، وتسهيل قواعد اللغة، وكتابة الأعلام الجغرافية، ووضع المعاجم، وتحقيق ألفاظها التاريخية - كل ذلك على ضرورته، إنما تلمس فائدته بعد سنين. ولا يلمسها ويستفيد منها إلا طبقة المثقفين. فتبقى الحاجة ماسة والنقص ظاهراً في نتائج أعمال المجمع في نظر الجمهور كما يبقى المجال واسعاً أمام الناقدين.