اختيار أي المبدأين: مبدأ الاحتفاظ بروح العداء بين الأمم والشعوب، ومبدأ العمل على استئصال العداوة وبذر عواطف العدالة والمحبة العالمية التي تسمح لنا يوماً ما أن نصل إلى سلم عام نهائي وأخوة إنسانية متبادلة
الروح العلمي لا يتطلب منا أن نأخذ العلوم كدليل أخلاقي وحيد، وإن شئت التعبير على نحو آخر لا يتطلب منا أن نأخذ مما تكشفه لنا العلوم من حقائق وقوانين مثلاً أعلى نتجه إليه في أعمالنا ونسير على ضوءه وسناه
إن العلم لا يعارض الأخلاق ولا يغني عنها قط، بل هو يقرر ضرورة وجودها ولا يستغني عنها، وبدونها يكون إثمه أكبر من نفعه. ولنا في تحليل نفسيات العلماء وكشف العواطف التي كانت تسودهم في حياتهم وبحوثهم العلمية ألف دليل ودليل إن صح هذا التعبير. ففي هذه الجهود المضنية التي قام بها العلماء لفهم الطبيعة وأسرارها وللوقوف على النظم التي تسير عليها، وفي تلك المشاق التي عاناها قادة الأمم وهداتها والمحسنون إلى الإنسانية، نجد عاطفة أخلاقية كانت تملك على هؤلاء الأبطال ألبابهم ومشاعرهم وتسوقهم إلى أداء رسالاتهم متحملين في سبيل ذلك ما تهددون بعضه عزائم صغار النفوس؛ تلك العاطفة هي الرغبة في خدمة الإنسانية وتحسين حالتها المادية والعقلية. وأيضاً القيمة العالية التي يراها العلماء للعلم، تفرض أن الأعمال الإنسانية ذات قيم مختلفة: منها العالي ومنها الدون؛ فالعلم مثلاً أفضل من الجهل، والهدى خير من الضلال، والسعي لمعرفة الحقيقة خير من مقاومتها. إذن واجب البحث عن المعرفة وإعلانها يفرض الواجب بصفة عامة، والمثل الأعلى العلمي يفرض أن هناك مثلاً أعلى عاماً يجب أن ننشده جميعاً
كذلك حب الحقيقة، وعدم التحيز للهوى، والإخلاص، والصبر، والحمية في العمل؛ هذه صفات أخلاقية بدونها لا يتحقق عمل طيب علمي بل ولا علم أيضاً. العالم كالرجل الفاضل يستشعر سروراً عالياً روحياً؛ هو الرضاء بالواجب المؤدى بنبل، والحياة تقضى في شرف وأمانة. يقول الفيلسوف الفرنسي (إرنست رينان) في كتابه مستقبل العلم: (المعرفة بين جميع الإنسانية أسماها قدراً، لأنها أكثر بعداً عن الهوى، واستقلالاً عن المسرات) ثم يضيف: (وإنه لمن العناء الذاهب سدى أن يدلل المرء على قداستها وسموها، أنه لا ينكر ذلك إلا من لا يعترف لشيء بالسمو والقداسة)