للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

تم الأمر في مصر لمحمد علي، ذلك العصامي الفذ، وأثخنت جنوده في صحارى العرب وفي مطارح السودان، وتهيأت مصر لأن تستقبل على يد هذا البطل عصرً من عصور يقظتها كان الجيش فيه المحور الذي تدور عليه نهضتها. وفي صدر هذا العصر الفتي ولد محمد شريف، فكان مولده بالقاهرة في شهر نوفمبر من سنة ١٨٢٦

وحمله أبوه، وقد انقضت مدة خدمته بمصر معه إلى الآستانة. وكان هذا الأب في مصر قاضي قضاتها، ولكنه لم يلبث في الآستانة إلا بضع سنين ثم اختير للحجاز، فمر بمصر ومعه ابنه؛ ووقعت عينا واليها على الغلام، وكانت عينا الوالي تلمحان النجابة في سرعة عجيبة، ولذلك طلب إلى أبيه أن يبقيه عنده ليقوم على تربيته. وكان محمد علي ويومئذ في ذروة مجده تهدد جيوشه عرش الخلافة وتحمل على الإعجاب به فرنسا، وعلى الحنق عليه إنجلترا؛ وكان همه منصرفاً إلى الجيش، فإذا بنى الرجال وأعدهم، فإنما يكون ذلك ليتخذ منهم دعائم جيشه

وبقي الغلام في القاهرة وأدخل المدرسة العسكرية التي أنشأها الوالي بالخانكة، فيمن أدخل من أبناء الأمراء ووجوه القوم؛ ومن ذلك الحين صارت مصر وطن شريف الذي لا يعرف له وطناً سواه

وهكذا نشأ شريف نشأة عسكرية؛ ولكن جيش مصر ما فتئت إنجلترا تعمل على القضاء عليه حتى تم لها ما أرادت، ولما يزل شريف في سن اليفاعة؛ واستطاع بالمرستون أكبر الكائدين لمحمد علي أن يرغم الباشا عام ١٨٤١ على (أن ينكمش في قوقعته الأصلية في مصر). وجاء في فرمان السلطان في تلك السنة للباشا المغلوب على أمره أنه (يكفي أن يكون لمصر ثمانية عشر ألف نفر من الجند للمحافظة في داخلية مصر ولا يجوز أن تتعدوا هذا العدد لأي سبب ما. . .) وأذعن الباشا ولم تغنه صلته بفرنسا ومظاهرتها إياه؛ فما كانت إنجلترا لتسمح بظهور مثل قوته في مصر وهي التي جعلت أساس سياستها منذ الحملة الفرنسية ألا يقوم في وادي النيل نابليون آخر

وكان الأجدر بالشباب بعد هذا أن يتجهوا وجهة غير وجهتهم العسكرية. لقد أوفدت الحكومة فريقاً منهم إلى فرنسا في عام ١٨٤٤، وكان من هذا الفريق محمد شريف، فاختار أن يدخل مدرسة سان سير الحربية

<<  <  ج:
ص:  >  >>