وتناول عمر القلم فكتب ما أملى عليه الراهب ثم دفع إليه الكتاب. . .
وعاد الفتى إلى أهله، يعيش عيش المترفين من فتيان العرب، لا يعنيه من أمرٍ شيء، إلا ما يعني غيره من شباب مكة من المنافرة والمفاخرة وانتهاز سوانح اللذات!
ومضت سنوات، ونسي الفتى ما كان من أمره في الشام!
وبعث الله محمداً نبياً يدعو إلى الحق وإلى سبيل الرشاد؛ فآمن من آمن، وأنكر دعوته من أنكر؛ وكان عمر أشد أعداء محمد حرباً عليه وعلى صحابته، فما أمكنته الفرصة مرة برجل من أصحاب محمد إلا ناله بما يكره من الأذى والمهانة!
ومضت ست سنين منذ بعث الله محمداً بالحق قبل أن يسلم عمر بن الخطاب!
وراحت جنود الإسلام تغزو الشرك في دياره، فما وطئت بلداً إلا أعلت كلمة الله ورفعت راية الإسلام. ومضى المسلمون في جهادهم يفتحون الأمصار ونورهم يسعى بين أيديهم؛ فما انتقل محمد إلى ربه حتى دانت الجزيرة العربية كلها وغمرها نور الإسلام
وتولى عمر إمارة المسلمين وجنودُ الإسلام يومئذ على حدود الشام؛ فمضى قُوّادُه إلى غايتهم ويبشرون بالدين، حتى تم فتح الشام على أيدي أبطاله: خالد، وأبي عبيدة، وعمرو، ويزيد بن أبي سفيان. وخلصت بلاد العرب من أبناء غسان - من عسف الروم وبطش الرَّهَابين، لتعود جزءاً من الدولة العربية المسلمة التي يقوم على شئونها عمر!
وتخفف أهل الشام من أثقال الحكم الغابر ليعودوا إخواناً متحابين ليس لأحد على أحد يد ولا منة؛ وانزوى الرهبان في أديارهم لا يربطهم بالجماعة رابطة إلا ما يدفعون للأمير العربي من الجزية تأميناً لأنفسهم ولما يملكون من مال اجتمع لهم على الأيام مما اغتصبوا من أفواه الجياع باسم الدين! فأيُّما رجلٍ منهم حدّثتْه نفسه بالعصيان والتمرُّد، ردُّوه بأسيافهم إلى الطاعة وأجلَوْه عن صومعته ليجعلوها مسجداً من مساجد المسلمين؛ فلهم حرية العبادة وحرية المقام ما التزموا حدودهم التي ضربها الإسلام عليهم. . .
وتم الأمر للعرب في بلاد الشام، فكتب أمير الجند أبو عبيدة إلى عمر يدعوه ليعقد العهد بين أهل الشام والعرب الفاتحين ويكتب لهم به. وقدم الركب الحجازي يقدمه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب؛ حتى أناخ رواحله في بيت المقدس. . . وجلس عمر ذات يوم بين أصحابه وقادة جنده يشرع لهم ويبادلهم الرأي والمشورة؛ فإذا راهب مقبلٌ من بعيد إلى