ومن الذي يسمع اليوم باسم أستاذي وأستاذك سيد بن علي المرصفي وله عليّ وعليك فضل لا ينساه إلا الجاحدون؟
أكتب هذا وأنا متألم متوجع لأني أرى عميد كلية الآداب يتجاهل تضحيات المدرسين، ولأني أشعر بأن هذه الأحكام الجائرة ستسقط من ميزان الحسنات أعمالي في التدريس. ولن يعرف الجمهور غير أعمالي في التأليف وهي لم تكن إلا ثمرات ما انتزعت من أوقات الفراغ
وما أخافه على نفسي أخافه عليك يا دكتور، فأنت هدف لحملات المتعسفين الذين شرعوا يقولون إن إنتاجك الأدبي قلّ وضعف، وهؤلاء الذين لا يذكرونك إلا يوم تخرج كتاباً جديداً ينسون كل النسيان أن لك شواغل تعليمية تفلّ نشاطك وتقل إنتاجك
وأين المنصف الذي يذكر أننا نحدث تلاميذنا بأشياء لو دوّنت لخرج منها محصول أدبي نفيس يغمر المكاتب ويشغل الأندية والمعاهد؟ أين المنصف الذي يذكر أن من يسيطرون على الحياة الأدبية مدينون أثقل الدَّين للمدرسين المجهولين الذين لا يعرف التاريخ أقدارهم إلا إن صاروا مؤلفين مشهورين؟
لك يا دكتور زميل فاضل يعيش في زاوية مجهولة من زوايا الخمول هو الدكتور أحمد ضيف، وأنا أؤكد لك أن هذا الرجل يعدي صدور تلاميذه بالفكر والعقل، وقد نفعتني صحبته أجزل النفع، ولكنه لا يستطيع أن يزاحمك لأنه لم يخرج من المؤلفات مثل الذي أخرجت. فمن واجبك وأنت عميد كلية الآداب أن تضع للتقدير الأدبي ميزاناً غير ذلك الميزان، من واجبك أن تذكر أن الجمهور الفرنسي لا يعرف شيئاً عن المسيو تونلا أو المسيو مورنيه، ولكن أمثال هذين الأستاذين لهم تأثير عظيم في تكوين الأذواق الأدبية وإن جهلهم سواد الناس.
وسيأتي يوم ينعزل فيه الدكتور طه انعزالاً تاماً عن الجمهور ويعتكف فيما يسميه الفرنسيون ليحقق مع تلاميذه بعض الدقائق الأدبية والفلسفية. ويومئذ يحتاج الدكتور طه إلى من يعتذر عنه أمام الجمهور فيقول إنه يحيا حياة العلماء لا حياة الأدباء. وهل يجهل رجل مثلك أن هناك فرقاً عظيماً بين أستاذ الأدب وبين الأديب؟
إن أستاذ الأدب تفسده الشهرة لأنها تشغله عن طول الأنس بالتعرف إلى الألفاظ والمعاني