ولقاسم أمين بعد ذلك وجه آخر من وجوه الإصلاح. فقد كتب كتابه رداً على دوق داركور في سنة ١٨٩٤ إلا أنه لم يلبث بضع سنوات حتى وجد أن دوق داركور نفسه قد تكلم عن مفاسد حقيقية بالبحث والتفطن فكتب كتابيه (تحرير المرأة) و (المرأة الجديدة) ينقد فيهما نظمنا الاجتماعية الفاسدة والمبدأ الذي دارت عليه بحوثه في المرأة وتحريرها هو مبدأ القدرة على استكمال النقص الذي يتبعه كثير من أنصار التقدم، وقد حاول على هذا الأساس أن ينقد التقاليد والعادات التي جدّت من حرية المرأة وجعلتها في الموضع الأدنى من تقدير الرجال. على أن قاسماً من وجه آخر كان يرى أن إصلاح المرأة بدء الإصلاح العام كانت المدرسة المثقفة التي قامت في نهاية القرن التاسع عشر وأول القرن العشرين هي المدرسة القومية التي استنارت بنور العلم والتي أقبلت على الإصلاح بلهفة المؤمنين بالمثل الأعلى، وهي المدرسة التي تخرج فيها مصطفى كامل وسعد زغلول، وهي الأصل في نهضتنا القومية التي بدأت بعد الحرب الكبرى والتي لما تنته بعد من وضع منهاجها القومي الذي يجب أن نعمل له
وكانت هذه المدرسة مؤمنة للمثل العليا في الدين والخلق النصيب الأوفى من تقديرها، بل كان لها من المعايير الدينية والخلقية ما لا نزال نحن في حاجة إلى أحيائه في العصر الحاضر.
دفعها هذا إلى الإيمان بأن وحدة الإسلام ينبغي أن تقوم ضد الغرب وقد أراد أن يعصف بذلك الأيمان العميق الذي حل في أغوار النفس عند الشرقيين عامة والمصريين بوجه خاص. وذلك نفسه تفسير لتلك الوحدة الإسلامية التي دعا إليها الداعون في ذلك الزمن. كان لا يزال هؤلاء وكثير غيرهم يحسنون الظن بدولة الخلافة. لكنهم في نفس الوقت الذي كانوا يحتفظون فيه بعلائق المودة والرحمة بالدولة التي كان عليها أن تحفظ تراث المسلمين - في نفس ذلك الوقت كانت آثار أقلامهم تحيي الشعور القومي عند المصريين. وما تجيّل هذا الجيل حتى نبتت فكرة أساسها الدفاع عن الوطنية المصرية أمام الأتراك والمتتركين. فدعا الجيل الذي عاش قبل الحرب الكبرى إلى أن تكون مصر للمصريين. وأنت تلمح هذين الوجهين من وجوه القومية المصرية في حياة مصطفى كامل وأنت تلمح الوجه الأخير ظاهراً جلياً في حياة سعد زغلول، ولو أن مصطفى كامل عاش إلى ما بعد الحرب