للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

والحق لقد كانت ظاهرة نفسية غربية تلك التي تنظرت بها كتابات هانوتو ورينان وداركور وقد نقد هؤلاء وكثير غيرهم من الكتاب والمؤرخين والفلاسفة أصول الإسلام، ولعل هؤلاء كانوا يؤيدون في ذلك الاتجاهات الاستعمارية الخاصة التي توجهت بها فرنسا من غير أن يكونوا يشعرون بذلك. ولأمر ما قام هؤلاء قومة رجل واحد يحاولون أن يتحيفوا من الجماعة المصرية وأن يتنقصوا من الدين الإسلامي جميعه. لكنهم وجدوا تلك المدرسة العصرية المثقفة. وكان على هؤلاء أن يثبتوا أن الإسلام الحقيقي غير العادات العتيقة والتقاليد البالية التي حسب الفرنسيون أنها الدين.

حينما بحث هانوتو قواعد الإسلام كان يحاول أن يختط خطة لمعاملة المستضعفين من أبناء المستعمرات التي انتقلت تحت الحكم الفرنسي. وكان جديراً بمثل بحثه أن يكون متحيزاً لأنه كان في مكان الحاكم الذي يملي على المحكوم. وقد وجد هانوتو في كتابات محمد عبده صدى لما كان يجول في صدور هذه المدرسة الكريمة التي ذكرت. وكذلك قل عن الدوق داركور فإن هذا الكاتب مكث في مصر بضعة شهور كان يحسب أنه قد أوتي خلالها العلم جميعاً بأحوال المصريين. وقد

حاول أن يرجع كل نقص رآه إلى طبيعة الدين نفسه، فكان على قاسم أمين أن يقرع الحجة بالحجة ويرد البرهان بالبرهان. وما فرغ دوق داركور من كتابه عن (مصر والمصريين) حتى كان قاسم أمين يهيئ كتاباً في الرد عليه سماه (المصريون).

والحق أن هذا الكفاح الذي قام بين الشرق والغرب كان مفيداً للحياة المصرية بوجه عام. ذلك أن قوماً مثل محمد عبده وقاسم أمين قد أدركوا في دفاعهم عن مبادئ الإسلام أن في المجتمع المصري كثيراً من المثالب التي ينبغي إصلاحها. ونحن نرى أن في الوقت الذي كان الأستاذ الإمام وقاسم أمين يردان فيه على كتاب الفرنسيين - في نفس الوقت كانوا يهيئون أنفسهم للكتابة عن مصر، وكان محمد عبده يمثل الناحية الدينية فحاول أن يضع أصول الدين في موضعها الأول وحاول أن ينشر ثقافة دينية في مصر لم تزل إلى اليوم مجدة قوية جاهدة، وما كان ذلك الاتجاه الجديد إلا لأنه وجد نفسه في موقف المدافع فعرف القضية من جميع وجوهها وحاول أن يقيم ما اعوج وأن يحفظ على مصر والمصريين كرامتهم.

<<  <  ج:
ص:  >  >>