إن المهم ليس هو ذات ما يتخذ بدلاً من الإسلام، ولكن هو مجرد الانصراف عن الإسلام. وماذا يهم إذا انصرف المسلم عن الإسلام أي شيء اتخذ أو على ماذا أقبل؟ إنه إذا استدبر الإسلام لا بد مستقبل غيره؛ وإذا أحله من نفسه المحل الثاني فهو لابد محل غيره المحل الأول؛ وإذا عصاه فهو لا بد مطيع سواه. هذا الذي يستقبل ويكبر ويطيع بدلاً من الإسلام هو الدين الذي أتخذه أو يتخذه المسلم المفتون بالغرب بدلا من دينه. وليس يهم أدين هو معروف في الأديان أم هوى هو بين الأهواء أم وهم من الأوهام
واستعمالنا لفظ دين بهذا المعنى استعمال عربي صحيح. فالدين في الأصل معناه الخضوع ومن أخص خصائصه العبادة، وقد جعل الله سبحانه طاعة الناس للشيطان عبادة منهم للشيطان في قوله (ألم أعهد إليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين، وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم، ولقد أضل منكم جبلاًّ كثيراً أفلم تكونوا تعقلون). وأوضح أن الناس لم يعبدوا الشيطان عبادة سجود ولكن يكفي من عبادتهم إياه أنهم أطاعوه فأضلهم عن سبيل الله. كذلك قد جعل الله اتباع الإنسان هوى نفسه عبادة للهوى واتخاذاً إياه إلهاً من دون الله (أرأيت من أتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلاً)(أفرأيت من أتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون). فأساس التدين اتباع الدين والخضوع لله طوعاً ما للإنسان خيار فيه. فإذا غلَّب الإنسان على دينه شيئاً آخر يدين له بالطاعة من قلبه فذلك الشيء هو في الواقع دين له بدلاً من دينه الذي ينتسب بالاسم إليه؛ وإذن فنحن لم نُغْرب ولم نخرج عن حدود اللغة ولا عن الاستعمال القرآني حين أطلقنا لفظ الدين على كل ما يحل في قلب المسلم محل دينه. ونحن لم نظلم دعاة جديد الغرب حين قلنا إن جديدهم في الأدب ليس مقصوراً على الأسلوب والطريقة ولكنه في صميمه إحلال دين مكان دين ما دام منحى ذلك الأدب التماس المثل العليا واقتباسها من الغرب لا من الإسلام ولا من القرآن