هذه القصة التي تعبر بروعة خيالها عن حقيقة عقلية الرجل الكردي، إنما تعبر ضمناً عن ناحية من نواحي نفسية المرأة الكردية المعروفة بقوة الإرادة والشجاعة والحسن الفائق، والنفسية المرحة السامية، والعقلية الخصبة على جدب معينها العلمي، وقسوة بيئتها وإن عوضها جمال مناظر جبالها، وجودة هوائها، وكثرة ثمارها كثيراً مما تفقده من أسباب الحياة الرغيدة، ونور العلم وميزات المدينة. والمرأة الكردية على غمرة عواطفها أمينة في الحب، قاسية فيه، مضحية إلى الموت، ولكنها صلبة الرأي إلى درجة شاذة انتصاراً لمبدأ أو إخلاصاً لحبيب أو صديق، كما أنها على لطافة خلقها شرسة منتقمة إذا أرادت
هذه القصة من الأدب الكردي أذكرتني بحادثتين وقعتا لرجلين من مشاهير الرجال أذكرهما فيما يلي، حتى نرى أن ليس الشرق شرقاً والغرب غرباً في كل شيء
(١) قفاز
سمعت قصة هذا القفاز زمناً طويلاً من الجدات والكهول، عن سيدة كان مغرماً بها دي لورج الضابط النابه الذي كان في صغره من أشجع وأشهر قواد اللواء المشاة في أيام فرنسوا الأول ملك فرنسا (١٥١٥ - ١٥٤٧).
وكان الملك فرنسوا هذا مغرماً باقتناء الوحوش الضارية ومشاهدة صراعها في حديقة الوحوش التي أقامها لها خاصة.
ففي ذات مرة، بينما الملك يشاهد الشجار مع حاشية من عظماء مملكته، ومن بينهم سيدات يجلسن في مقاصير أنيقة، إذا بواحدة منهم تلقي بقفازها بين الأسود، وهي في أشد حالات الغضب والشراسة، وتوجهت إلى عاشقها دي لورج الفارس النبيل طالبة إليه باستخفاف أن يعيد إليها قفازها ليؤكد أن حبه لها عظيم كما يقول، ولكي تحقق من ناحية أخرى صدق شهرته أمام الجمهور الذي طالما تحدث عن شجاعته.
فانبرى الفارس مسرعاً دون أن تبدو عليه دهشة أو تردد، وأخذ عباءته في إحدى يديه، وسيفه في اليد الأخرى، ثم دخل بجسارة نادرة في ساحة مساجلة الأسود، وحالفه الحظ في التقاط القفاز من بينها، وعاد به إلى سيدته بين إعجاب الحضور وهتافهم. وتبسمت له الحسناء ابتسامة الرضى والسرور