للثأر منه بحرارة الموتور، وجلستا تفكران مطرقتين كأنهما في بُحران، وتقدران ما ينبغي لهما من الحيطة والحذر من وقوع الكارثة. وسرعان ما زال من هدى حقدها على أمونة، فتصافتا وحلفتا بالله جهد الإيمان لتعودان كما كانتا أختين صديقتين. وافترقتا على أمر واحد، وهو السعي لدى المشايخ والسحرة لعلهما تجدان الدريئة والدواء، وقادهما البحث إلى مغربي ساحر أعطاهما شيئاً كالملح الناعم يذر على الأكل فيحدث لذائقه الخبل والشرود فاقتسمتا الثمن الباهظ ودفعتاه راضيتين
ولما جلس طاهر إلى الطعام ذرًّت له التي هو عندها ذرور الساحر، فلما أكل انقلب كالذي خامره امتعاض، وظل أياماً كلما أكل عند واحدة منهما ذرت له قليلاً من الذرور فلم يمض شهران حتى غدا كالمخبول الممرور لا يدري ما يفعل. فقال الناس: قد أصابته عتاهة وبلاهة. وقالت نساء من أهله: لعل زوجتيه سحرتاه فصار إلى حاله الوجيع. ومرًّ به زمن أغلق معه دكانه وباع ما فيها بثمن بخس، ولزم بيته لا يبرحه إلا للصلاة في الجامع. فلما ازداد به الخبال والذهول أقامت عليه زوجتاه الحجر وتسلمتا الإنفاق عليه وعادتا أختين محبتين كما كانتا، تسكنا في بيت واحد، وتسخران من ذلك الزوج الذي تراخت أوصاله، ووهنت عظامه، ودب فيه المرض والهرم، فأمنتا جانبه، واكتسبتا ثروته. ثم عاودتهما بعد حين التوبة والندامة، فأدركتهما الرحمة له والشفقة عليه واستغفرتا الله من ذنبهما. ولما قضى الزوج نحبه أدت الضرتان أو الصديقتان فريضة الحج معاً وابتهلتا إلى الله في أشرف بقعة أن يعفو عن إساءتهما وهو العفو الغفور.