- ياخائن، ياعبد الشهوات! أنت العاقر الذي كنت في شبابك فاسقاً فأصبت بالعقم ولم تنسل فما ذنبنا نحن؟ وهمت بضربه بقطعة من الحطب كانت في جانب الموقد
جُنَّ جنون طاهر من هول الفضيحة، وفحش الشتيمة، واجتراء زوجته وابنة خالته على إهانته وضربه فقال لها بمكر وخبث:
- لا تصدقي يا أَمُّونة إنن أمزح لأرى إن كنت تحبينني أم لا؟
أما أمونة فقد شعرت بنيته السيئة، وأدركت ما يضمر في طويته لها فهاترته وقامت عليه ناقمة ثائرة، والله يعلم كيف مضت عليها تلك الليلة المشئومة. فلما طلع النهار دلفت أمونة إلى بيت صديقتها القديمة وضرتها المهجورة، وهي على استحياء من نفسها تتقدم رجلاً وتؤخر أخرى حتى كادت تتراجع القهقري وتتردد في مواجه رفيقتها بالأمس، لولا أن عادت إليها بجرأة، وثارت فيها الغيرة الجديدة والنقمة على زوجها، فتنهدت وتشجعت وطرقت باب هدى طرقات خفيفة فردت عليها بفتحه. وما إن كشفت أمونة عن وجهها المحجوب حتى وقفت الأولى جامدةً كالصنم، وشررت ضرتها بعينين كالحربتين، فارتمت أمونة على قدمي هدى وحاولت تقبيلها، ثم قامت إليها بالعناق والتقبيل وبالبكاء والنحيب، فلم يكن من هدى إلا أن أبدت عجبها من مظهر ضرتها الكئيب، وسألتها على كره منها:
- هل من بلية حلت بطاهر؟
- لعنة الله عليه! إنه يجني علىَّ وعليك. ليت عزرائيل ينقذنا منه قبل أن ينفذ إرادته الجديدة.
- وماذا يريد؟
- فاهتزت أمونة وارتجفت يداها وتلعثمت وكاد يغمى عليها لولا أن تداركتها هدى واستدرجتها إلى الجواب. فعلمت منها أن طاهراً يريد الزواج، وشاعت حينئذ الشماتة على وجهها ووضحت السخرية في لفتاتها وحركاتها، فسلقت أمونة بلسان حاد أصاب منها مقتلاً كأنه الرصاص. وضحكت أمامها لتزيد في نكايتها وإهانتها فشعرت أمونة بكبريائها المحطمة، وضعضعتها الشماتة ولكنها صمدت للنهاية وتجالدت فبلعت ريقها وبلت حلقها الجاف من طول الكلام والبكاء، ثم أخذت تستعطف هدى بصوت ذليل خفيض والتمست صفحها. فلما رقت ولانت أفضت إليها بنيات زوجهما، وطفقت تستعديها عليه وتستفزها