شدة التأثر به. ففي بعض سجايا النفوس قد يظهر التأثر بالإنسان، أو بالشيء بمظهر المقاومة. ولعل أظهر هذه الظاهرة في العلاقات الزوجية، ولكنها موجودة في جميع علاقات الناس بعضهم ببعض، وقد لا تكون المقاومة دليلاً على التأثر. بل قد تكون دليلاً على قلة التأثر أو انتفائه. ولعل الظاهرة أساسها واحد في الحالتين، وأساسها هو: دفاع كل نفس في الحياة عن كيانها ومميزاتها وخصائصها؛ وكلما كان تأثرها بخصائص غيرها وكيانه أعظم، كانت المقاومة ألزم في بعض الحالات وفي بعض النفوس، إما صيانة للبقية من استقلالها، وإما لكي تعذر نفسها لدى نفسها في استسلامها لسحر الاعتداد بالنفس سراً بمقاومة جهراً فترتاح إلى هذا العذر وتحسب أنها قد صانت به كرامة استقلالها. ولكن إذا كان الاعتداد بالنفس عظيماً، وكان مقروناً بقوة العبقرية أو البيان والفصاحة أو الخلابة أو العصبية المناصرة له تمكن على الزمن من تحويل الشيء الكثير من المقاومة إلى إعجاب، كالإعجاب الذي ناله من النفوس التي ناصرته من أول الأمر بسبب لذتها في الاستسلام أو لذتها في رؤية اعتدادها بنفسها مقدساً في شخص عظيم. وتغلب الاعتداد بالنفس على المقاومة يكون شبيهاً بتغلب النعاس على اليقظة. وقد لاقى المتنبي أشد المقاومة، ولكن شدة اعتداده بنفسه تمكنت من تحويل المقاومة على مر الزمن إلى إعجاب كثير
لقد كنا في عهد الصغر إذا قرأنا للمتنبي قوله:
من لو رآني ماءً مات من ظمأ ... ولو عرضتُ له في النوم لم ينم
تخيلناه مخلوقاً من مخلوقات الخيال في القصص الخرافية. وفخره العريض في هذا البيت وفي أمثاله كان من خواطر العظمة التي رآها لنفسه، ولكنا لم نشأ أن نعد كل أقواله في القتال وإراقة الدماء من قبيل خواطر السوء التي تمر بخاطر كل إنسان، لأن الرجل كان محارباً فعَّالاً كما كان متخيلاً قوَّالاً. وإذا صدقت قصة مقتله التي قيل فيها إنه فر طالباً النجاة ممن أغاروا عليه حتى ذكرَهُ مذكرٌ بقوله: