للتمثيل. وهو لهذا يحصر انتباه سامعيه في صميم القصة، وقل أن يشرد بهم خارجها كما يصنع شعراء الرومانتيك. وقل كذلك أن يستعمل الأصباغ لتطرية بيانه كيما يستر فيه ضعفاً أو يعوض السامع بفخامة العبارة تفاهة الموضوع، فهو دائماً يلتزم الروح ولا يلتفت إلى دمام الجسم إلا بقدر، وإلا في حدود النظم الذي أخذ به نفسه في الملحمة
وفي ذلك يقول الأستاذ بورا:(إنه يكتب - أو ينظم - لكل الناس وليس لطبقة بعينها من الناس)
وقد ساعد هوميروس تقلبه في البلاد في هضم اللهجات المخلفة في الأصقاع المتدانية اليوم - المتنائية يومئذ - التي زارها. ونحسب أنه من أجل ذلك تنازعت فخر مولده هذه المدائن السبع التي فعلت ذلك، فقد كان يقيم حقبة بكل منها فينشد إلياذته - ولما يكن قد نظم الأوديسة - ويغنيها بلهجة الجهة التي هو مقيم فيها فيتقن إنشادها بهذه اللهجة إتقاناً لا يدع أثارة من الشك في أنه من أهلها. . . وهنا ملاحظة طريفة انتبه إليها كل من برتون راسكو الأديب الناقد الأمريكي وجلبرت موري - المؤرخ الثقة في الأدب اليوناني - ذلك أنه لا بد أن يكون هوميروس قد نظم الإلياذة مرتين. . تُتلى إحداهما في بلدان الشاطئ الأسيوي وفيها يُغَلّب أبطال طروادة على أبطال هيلاس. . وتتُلى الأخرى في بلدان هيلاس، وفيها يُغَلّب أبطال هيلاس على أبطال طروادة ويُظفرهم بهم. . . وبغير هذا لم يكن يستطيع أن ينشد إلياذةً واحدة في كلا الشاطئين. ولو صح أنه فعل لثار به الأهلون بفعل العصبية ولمزقوه إربْاً. . . لأنه كيف يترك أخيلا مثلاً يقتل هكتور وهو ينشد هذا الشعر لأحلاف هكتور وأهله. . . وكيف يسيغ أن يترك هكتور يقتل أخيلا إذا كان الإنشاد للملأ من مواطني أخيل؟
غير أن هذه الملاحظة ما تزال تفتقر إلى ما يثبتها، لأن الإلياذة التي بأيدينا هي التي كانت تنشد وتغنى في هيلاس