مختلفة في الزمن الواحد باختلاف البيئات. بينما نرى في هذه الأيام الناس الذين هم على الفطرة كسود استراليا يعتقدون دينيّاً قدسية بعض أنواع النبات والحيوان، فيكون الموت جزاء من يجرؤ على أكل شيء منها كما نرى البراهمة في الهند يقدسون البقرة ويعتبون أكبر الجرائم قتلها أو الأكل من لحمها، وتقوم بينهم وبين مواطنيهم المسلمين لهذا السبب المعارك الدامية - بينما يرى هذا وأمثاله كثيراً، نرى كثيراً من سود أفريقيا يستحلون بل يفضلون أكل لحوم البشر من أعدائهم الذين يسقطون في ميدان الحرب، أو عبيدهم الذين يعنون بتسمينهم ليكون منهم غذاء دسم شهي، أو أقاربهم الذين نالت منهم السنون وعجزوا عن احتمال أعباء الحياة
في مقابل هذا وذاك نجد بعض البوذيّين الدينيين كرهبان الهند الصيني يعدون جريمة قتل أي كائن حيّ مهما كان؛ ويصل الأمر بهم إلى ترشيح مياه الشرب حتى لا يبتلع أحدهم أثناء شربه أية حشرة حقيرة غير مرئية فيكون في ذلك موتها. أما نحن فنتخذ موقفاً وسطاً بين الفريقين احترام الحياة الذي يعده هؤلاء الرهبان حقاً مقدساً لكل حي لا نراه حقاً إلا للآدميين، ولا يعترف به أولئك المتوحشون إلا لعدد قليل كأسرة الشخص أو قبيلته أو أفراد قريته
كذلك الانتحار الذي يحرمه الدين الإسلامي وتنكره المدنية الأوربية الحالية، يعده اليابانيون تقليداً وطنياً طيباً، ويرونه واجباً في كثير ما الحالات؛ ينتحر الياباني حين يرى أنه جُرد من شرفه أو عانى سقوطاً فاضحاً كبيراً، وينتحر احتجاجاً على ظلم ارتكب، أو نحو ذلك من العوامل الأخرى التي تجيزه في رأيهم. ذكر الأستاذ شالِيْ في كتاب له عن اليابان بعد رحلة إليها طائفة كبيرة من حوادث الانتحار وعوامله؛ منها: أن ضابطاً انتحر سنة ١٨٩١ ليلفت نظر الحكومة والرأي العام إلى تعدي الروسيا على بعض النواحي في شمال اليابان، وأنه في سبتمبر سنه ١٨٩٢ انتحر الضباط الكبار وزوجته أثناء سير جنازة الإمبراطور إظهاراً لإخلاصهما له وعدم رغبتهما في الحياة بعده
وحرمة مال الغير لم تكن دائماً حقاً مقدساً لكل إنسان. التاريخ يقفنا على أن الغارات على الآمنين من القبائل الأخرى كانت من أبواب الارتزاق لدى كثير من الأمم في جاهليتها؛ واليهود كانوا يرون مال الغير - أي غير اليهود - حلالاً سائغاً لهم: (ومنهم من أن تأمنه